التوافق التركي الأميركي مقابل واقع الغارات الميدانية.. هل ينجو شمال سوريا من الانزلاق؟

2025.09.29 - 09:11
Facebook Share
طباعة

شهد البيت الأبيض الخميس الماضي لقاءً مهمًا بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، ركز على الملف السوري وتعقيداته المستمرة بعد سنوات من النزاع والحرب الأهلية. اللقاء حمل في طياته تأكيدًا على أهمية وحدة سوريا وسلامتها السياسية، مع التأكيد على الحاجة إلى استقرار البلاد وتقليل المخاطر الأمنية على الحدود المشتركة، في ظل استمرار التحديات الإقليمية والدولية التي تهدد الأمن في شمال سوريا وعموم الشرق الأوسط.

 

أوضح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مقابلة صحفية على هامش الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن هناك توافقًا بين بلاده والولايات المتحدة حول ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسلامتها السياسية. وأكد فيدان أن القضية السورية «حاضرة في كل المحادثات الدولية»، في إشارة واضحة إلى الدور الذي تلعبه تركيا في تنسيق الجهود الدولية لضمان استقرار المنطقة، سواء من خلال الحوار السياسي أو العمليات العسكرية على الأرض ضد التنظيمات المسلحة.

 


في سياق التطورات الميدانية، شهد ريف إدلب الجنوبي تصاعدًا للعمليات العسكرية، حيث قصفت طائرة مسيّرة يُعتقد أنها تابعة لقوات التحالف الدولي منزلًا في بلدة التمانعة، مما أسفر عن مقتل المواطن هاشم رسلان. على الرغم من وجود ترجيحات محلية عن استهداف مسؤول في تنظيم «داعش»، لم تؤكد المصادر الرسمية أي ارتباط مباشر للضحية بالتنظيم، ما يثير تساؤلات حول دقة المعلومات الميدانية وضرورة توخي الحذر في عمليات الاستهداف لتجنب سقوط ضحايا مدنيين.

 


تعد هذه الغارة الثانية خلال الشهر الحالي التي يعلن فيها التحالف الدولي عن عمليات تستهدف عناصر من تنظيم «داعش». فقد أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) قبل أيام تنفيذ غارة أسفرت عن مقتل عنصر بارز في التنظيم، كان يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأميركي. تشير هذه العمليات إلى استمرار التهديد الإرهابي في شمال غرب سوريا، وتوضح أن التحالف يحاول الجمع بين الضغط العسكري والجهود الدبلوماسية لضمان استقرار البلاد، رغم تعقيد المشهد الأمني.

 

يبقى شمال سوريا، ولا سيما إدلب، منطقة حساسة للغاية، تجمع بين وجود المدنيين والنازحين والتشكيلات المسلحة المتنوعة، بما فيها تنظيمات إرهابية محلية وإقليمية. هذا المشهد يجعل أي عملية عسكرية محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى تصعيد أمني إذا لم تُراعَ الدقة الاستخباراتية والتنظيمية في تنفيذ الغارات.

 

اللقاء التركي الأميركي يبرز بعدًا سياسيًا مهمًا، إذ تسعى كل من واشنطن وأنقرة إلى ضمان أن أي استقرار محتمل في سوريا لا يتم على حساب مصالحهما الاستراتيجية. تركيا تبحث عن حماية حدودها الجنوبية ومراقبة تحركات التنظيمات المسلحة، بينما الولايات المتحدة تركز على تقليص تهديدات الإرهاب الدولي، وتعمل على ضبط النفوذ الإيراني والروسي في البلاد، مما يجعل الحوار السياسي بين البلدين محورًا أساسيًا في أي حل مستقبلي.

 

مع استمرار الغارات العسكرية والعمليات الميدانية، يزداد الضغط على المدنيين والنازحين في إدلب ومناطق الشمال الغربي، حيث يعاني السكان من نقص الخدمات الأساسية والأمن الغذائي والمأوى، بالإضافة إلى تهديدات القصف العشوائي والغارات الجوية. هذه المعاناة الإنسانية تزيد من صعوبة تنفيذ أي اتفاق سياسي أو خطة لإعادة الاستقرار، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية مباشرة لتوفير الحماية والمساعدات العاجلة.

 

يبقى الملف السوري متشابكًا بين ثلاثة مستويات: الأمني والعسكري، حيث تتواصل الغارات ضد التنظيمات المسلحة؛ والسياسي والدبلوماسي، حيث يسعى المجتمع الدولي وتركيا والولايات المتحدة إلى ضمان وحدة الدولة واستقرارها؛ والإنساني، حيث يتطلب الوضع حماية المدنيين وإيجاد حلول عاجلة للأزمات المتصاعدة. أي تجاهل لأي من هذه المستويات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة أو إعادة إحياء النزاع المسلح.

 


يمكن توقع عدة سيناريوهات محتملة: استمرار التنسيق التركي الأميركي لدعم وحدة سوريا واستقرارها، مع غارات محدودة ضد التنظيمات الإرهابية؛ تصعيد عسكري محتمل في شمال غرب سوريا إذا فشلت الضغوط الدبلوماسية في ضبط التهديدات؛ أو توسع تدخلات إقليمية أخرى، خاصة من أطراف تدعم جهات مسلحة محلية، ما قد يعقد جهود إعادة الاستقرار ويزيد من تعقيد الملف الإنساني.

 

يبقى الوضع في سوريا هشًا للغاية، بين غارات التحالف الدولي والجهود السياسية التركية الأميركية، وسط أزمة إنسانية مستمرة. زيارة القادة الدوليين ومحادثاتهم السياسية لا توفر حلًا فوريًا، لكنها تحاول الحفاظ على مسار الاستقرار ومنع الانزلاق نحو تصعيد أكبر. مع ذلك، فإن أي خطأ ميداني أو غارة خاطئة قد يؤدي إلى عواقب غير محسوبة، تجعل الملف السوري مفتوحًا على كل الاحتمالات، مما يستدعي مراقبة دقيقة وتحركًا دبلوماسيًا واستراتيجيًا متواصلًا.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3