في ذكرى رحيله.. عرض أمريكي بشأن فلسطين رفضه جمال عبد الناصر بعد نكسة 1967

2025.09.29 - 08:04
Facebook Share
طباعة

في الذكرى الـ55 لرحيل الزعيم المصري جمال عبد الناصر (28 سبتمبر 1970)، أعاد عبد الحكيم جمال عبد الناصر تسليط الضوء على واحدة من أبرز محطات ما بعد هزيمة يونيو 1967، حينما رفض والده عروضًا أمريكية لإعادة سيناء مقابل التخلي عن القضية الفلسطينية.


خلال مقابلة تلفزيونية على قناة "MBC مصر"، شدد عبد الحكيم عبد الناصر على أن قرار والده التنحي في أعقاب الهزيمة لم يكن مسرحية سياسية، بل موقفًا صادقًا نتيجة شعوره بالمسؤولية المباشرة عن النكسة. وأضاف أن الجماهير التي خرجت إلى الشوارع مطالبة بعودته إلى الحكم هي التي أعادته بإرادتها، ليقود مرحلة ما عُرف بـ"إزالة آثار العدوان".

 

بين عامي 1967 و1969، تلقى عبد الناصر أكثر من عرض أمريكي تضمن استعداد واشنطن للتوسط في إعادة سيناء إلى مصر مقابل تخليه عن الدعم العلني للقضية الفلسطينية. هذه المقترحات، وفقًا لنجل الرئيس الراحل، رُفضت بشكل قاطع، حيث كان عبد الناصر يعتبر أن فلسطين قضية مركزية لا يمكن فصلها عن الأمن القومي العربي.

 

وبحسب عبد الحكيم، رفض والده استمرار وقف إطلاق النار إلى ما لا نهاية، إذ كان يرى أن قبول ذلك يعني تكريس الاحتلال الإسرائيلي. لذلك اتجه إلى إعادة بناء الجيش المصري وبدأ حرب الاستنزاف (1968–1970)، التي شكلت مرحلة مفصلية على طريق حرب أكتوبر 1973.

 

أشار عبد الحكيم عبد الناصر أيضًا إلى أن النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها مصر بين عامي 1952 و1967 كانت أحد دوافع العدوان الإسرائيلي، مضيفًا أن الأخطاء واردة في تجربة بهذا الحجم، "فمن يعمل يخطئ، والوحيد الذي لا يخطئ هو من لا يعمل"، على حد قوله.

 

العروض الأمريكية بعد نكسة 1967 ومبادرة روجرز

بعد هزيمة يونيو 1967، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على مصر وإسرائيل لإعادة ترتيب الوضع في المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بشبه جزيرة سيناء والقضية الفلسطينية. أهم محطات هذا الضغط كانت:


المبادرة الأمريكية الأولى (أغسطس 1967)

الولايات المتحدة عرضت على مصر إمكانية استعادة جزء من سيناء، بشرط أن تتخلى القاهرة عن أي دعم عسكري أو سياسي للقضية الفلسطينية.

العرض تضمن أيضًا ضغطًا على الدول العربية الأخرى لقبول وقف إطلاق النار دون شروط واضحة لإعادة الأراضي المحتلة بالكامل.

عبد الناصر رفض هذا العرض، معتبرًا أن التخلي عن فلسطين سيكون تنازلاً مرفوضًا يمس الكرامة الوطنية والعربية، وأن أي هدنة دون استعادة الأراضي ستكون مؤقتة وغير مجدية.

خطة مبعوث الخارجية الأمريكي وليام روجرز (1969)

في عام 1969، أطلق وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز سلسلة مقترحات هدفت إلى إعادة سيناء تدريجيًا لمصر مقابل توقيع اتفاقيات سلام، ونزع الدعم عن المقاومة الفلسطينية المسلحة.

روجرز سعى لخلق توازن بين مصالح إسرائيل والأمن العربي، مقدمًا في الوقت نفسه ضمانات اقتصادية لمصر لإعادة البناء بعد الحرب.

المبادرة واجهت معارضة شديدة من القاهرة، إذ اعتبرت أن فرض شروط نزع السلاح الفلسطيني وتقليص دور مصر في فلسطين يمثل "تجاهلًا للعدالة العربية"، ويخالف ما وصفه عبد الناصر بـ"حقوق العرب في أرضهم".

رد عبد الناصر واستراتيجية ما بعد النكسة

رفض عبد الناصر هذه العروض بشكل قاطع، مؤكدًا أن استعادة الأرض وحقوق الشعب الفلسطيني أولوية لا تقبل المساومة.

كسر وقف إطلاق النار إلى ما لا نهاية كان جزءًا من استراتيجية لإبقاء الضغط على إسرائيل، وتحريك الجيش المصري نحو إعادة البناء والجاهزية لحرب استنزاف طويلة.

هذه الاستراتيجية أسست لاحقًا لنجاح مصر في حرب أكتوبر 1973، حيث استعاد الجيش المصري جزءًا كبيرًا من الأرض المحتلة، وفرض على إسرائيل التفاوض على أساس "الأرض مقابل السلام".

الأبعاد السياسية والدبلوماسية

العروض الأمريكية بعد 1967 وضعت القاهرة أمام اختبار مصيري بين قبول حلول جزئية أو التمسك بالحقوق العربية الكاملة.

رفض عبد الناصر لم يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل كان موقفًا سياسيًا واضحًا: عدم التفريط بالقضية الفلسطينية، والحفاظ على وحدة الموقف العربي أمام الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

التاريخ لاحقًا أظهر أن مواقف عبد الناصر ساهمت في ترسيخ فكرة مقاومة الاحتلال وعدم القبول بالحلول الجزئية، وهو ما شكل جزءًا من الإرث السياسي للزعيم المصري حتى اليوم.


أحيت مصر الأحد ذكرى وفاة عبد الناصر، حيث وضع الفريق أول عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، إكليلًا من الزهور على ضريحه، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولا تزال شخصية عبد الناصر محل جدل واسع بين مؤيديه الذين يرونه رمز الكرامة العربية ومناهض الاستعمار، ومعارضيه الذين يحملونه مسؤولية الهزيمة والانقسامات الداخلية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 4