يمتد نزاع سد النهضة لأكثر من 13 عاماً بين مصر وإثيوبيا، منذ البدء في التخطيط لبناء السد على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.
جرت خلال هذه الفترة جولات تفاوضية متعددة بمشاركة السودان، لكنها لم تسفر عن اتفاق قانوني ملزم ينظم تشغيل السد ويحمي مصالح دولتي المصب، إعلان إثيوبيا بدء تشغيل السد رسمياً في سبتمبر الحالي أعاد تصعيد النزاع، إذ اعتبرت مصر الخطوة الأحادية تهديداً مباشراً لحصتها السنوية البالغة 55.5 مليار متر مكعب، ولحقها المائي والاقتصادي.
خطاب وزير الخارجية المصري :
خلال جلسة نقاش رفيع المستوى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، شدد عبد العاطي على أن إثيوبيا انتهجت سياسات أحادية تنتهك القانون الدولي، وتفرض واقعاً مزعزعاً للاستقرار في القرن الأفريقي وحوض النيل.
معتبراً إعلان إثيوبيا الانتهاء من السد يمثل تجاوزاً لحقوق مصر ومصالحها الوجودية، القاهرة لن تسمح بأي تهديد لحياة ملايين المواطنين أو المساس بحقوقها المائية.
وأكد عبد العاطي استعداد مصر الكامل لتناول النزاع في آليات القضاء أو التحكيم الدولية، شريطة صدق النية لدى إثيوبيا في الالتزام بهذه الآليات، لكنه أعرب عن شكوكه في قبول أديس أبابا لهذا المقترح، قائلاً: «الأمر الذي لم يتوفر، ولن يتوفر». واستطرد مؤكداً أن مصر لن تتهاون أبداً في حماية حقوقها،ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي يضمنان حماية مصالحها الحيوية في نهر النيل.
شدد على أن التعاون وفق القانون الدولي هو السبيل الأوحد لتحقيق المنفعة المشتركة بين دول حوض النيل، وأن السياسات الأحادية تزيد الأزمات والفجوات بين الدول المتشاطئة، بينما مصر سعت دوماً لتعزيز التعاون ودعم التنمية المشتركة في دول الحوض الشقيقة.
التحكيم الدولي كخيار قانوني:
التحكيم الدولي يعتمد على موافقة جميع الأطراف المعنية، ويستند إلى المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تلزم الدول بحل نزاعاتها بالوسائل السلمية، بما يشمل التحكيم والقضاء الدولي، كما تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية على حق الأطراف في اللجوء للتحكيم أو التسوية القضائية عند فشل المفاوضات.
عرض مصر اللجوء للتحكيم يعكس التزامها بالحلول القانونية والسلمية، ويضع إثيوبيا أمام مسؤولياتها القانونية، رغم احتمالية رفضها، ما سيضعها في موقف دفاعي أمام المجتمع الدولي ويبرز عدم احترامها للقوانين الدولية.
الأبعاد السياسية والدبلوماسية:
التحكيم الدولي يشكل خطوة استراتيجية مزدوجة: حماية حقوقها المائية الحيوية، وممارسة ضغط سياسي ودبلوماسي على إثيوبيا لإجبارها على إعادة النظر في سياساتها الأحادية. تتضمن الاستراتيجية المصرية إبقاء النزاع في دائرة اهتمام المجتمع الدولي، مع إرسال رسائل واضحة لمجلس الأمن والجمعية العامة، لتسليط الضوء على انتهاك إثيوبيا للقانون الدولي. كما يعزز موقف القاهرة في أي مفاوضات مستقبلية ويضع أديس أبابا تحت مراقبة ضغط دولي مستمر.
الأبعاد الاقتصادية والوجودية:
بحسب بيانات لوزارة الري المصرية، يعتمد المصريون على نهر النيل لتلبية 98% من احتياجاتهم المائية، ما يجعل أي تهديد لحصتهم السنوية مسألة وجودية، النقص المائي الحالي يصل إلى 500 متر مكعب للفرد سنوياً، ما يضع مصر تحت خط الفقر المائي العالمي استمرار تشغيل السد الإثيوبي دون اتفاق قانوني ملزم سيزيد الضغوط على الأمن المائي والغذائي، ويؤثر على الزراعة والصناعة ، أيضاً الاستخدام المنزلي للمياه، مما يجعل حماية الحقوق المائية قضية وجودية.
التحديات المستقبلية واستراتيجيات مصر:
التحدي الأكبر هو موقف إثيوبيا من التحكيم الدولي، إذ من المتوقع أن ترفض الالتزام به، نتيجة ضعف موقفها القانوني أمام الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل.
في المقابل، تستمر القاهرة في عرض القضية على المجتمع الدولي، مع إبقاء الضغط القانوني والدبلوماسي مستمراً.
هذا التوجه يهدف إلى الحد من أي تحركات أحادية لإثيوبيا، ويضمن عدم فرض واقع جديد يضر بمصالح مصر.
الأبعاد الإقليمية والدولية:
النزاع يمتد تأثيره إلى السودان ودول حوض النيل، فضلاً عن اهتمام القوى الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وبعض الدول الكبرى. استمرار القاهرة في طرح القضية أمام المجتمع الدولي يعزز موقفها القانوني والسياسي، ويزيد الضغط على إثيوبيا للامتثال للالتزامات الدولية أو إعادة التفاوض على صيغة اتفاقية قانونية ملزمة.
يرى مراقبون، التحرك المصري نحو التحكيم الدولي يبرز استراتيجية شاملة: التمسك بالحلول القانونية، استخدام الضغط السياسي والدبلوماسي، والحفاظ على الحقوق المائية الحيوية في نهر النيل.
ورغم احتمالية رفض إثيوبيا التحكيم، فإن مصر تمتلك الأرضية القانونية والدبلوماسية الكافية للحفاظ على مصالحها، مع إبقاء النزاع ضمن أطر منظمة وقابلة للمساءلة الدولية، ما يضمن استمرار الضغط على إثيوبيا دون اللجوء إلى أي تصعيد عسكري.