حراك جديد في ملف المعتقلين بين سوريا ولبنان

2025.09.28 - 02:55
Facebook Share
طباعة

 بعد سنوات طويلة من الجمود، عادت قضية المعتقلين لتتصدر المشهد السوري–اللبناني من جديد، مع فتح قنوات مباشرة بين الحكومتين في دمشق وبيروت لمناقشة أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا. ويأتي هذا التطور عقب سقوط نظام الأسد وبدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، اتسمت بمحاولات لإعادة ترتيب الملفات العالقة، وفي مقدمتها ملف المعتقلين السياسيين.


تصريحات رسمية متبادلة
وزير العدل اللبناني عادل نصار، أكد في 20 أيلول عبر قناة “الحدث” السعودية، إمكانية الوصول إلى اتفاق مع دمشق بشأن المعتقلين، مشددًا على أن من حق اللبنانيين معرفة مصير أبنائهم المفقودين في السجون السورية، في الوقت الذي تطالب فيه سوريا بالكشف عن أوضاع المعتقلين السوريين داخل السجون اللبنانية. واعتبر نصار أن أي تعاون يجب أن يكون متبادلًا، وأن النقاش يجب أن يتم وفق الأطر القانونية الخاصة بكل دولة.


من جانبه، رد وزير العدل السوري مظهر الويس عبر منصة “إكس” في 22 أيلول، مؤكدًا أن ملف المعتقلين السوريين في لبنان يحظى بأولوية خاصة لدى دمشق، وأن الحكومة السورية تتابعه وفق خطة شاملة، مشيرًا إلى أن لقاءات عدة جرت مؤخرًا مع الجانب اللبناني في إطار هذا الملف.


كسر الجمود
هذه التصريحات اعتُبرت من قبل مراقبين بمثابة “كسر للجمود” الذي خيّم على العلاقات بين البلدين فيما يتعلق بالمعتقلين منذ سنوات. فبحسب المحامي محمد صبلوح، مدير مركز “سيدار للدراسات القانونية” في لبنان، فإن هذا الملف كان لسنوات مجرد حملات إعلامية ومطالبات حقوقية، لكنه اليوم دخل حيز البحث الجدي، مع تبادل الزيارات الرسمية وفتح قنوات تواصل مباشرة.


غير أن صبلوح لفت إلى أن الإشكالية الأساسية تكمن في التناقضات داخل الموقف اللبناني نفسه، حيث تُستخدم قضية المعتقلين السوريين أحيانًا للتغطية على ملفات أخرى، مثل اتهامات “قتل الجيش”، التي وصفها بأنها مفبركة ومبالغ فيها من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية. كما أشار إلى أن هذه الأجهزة منذ 2011 وحتى 2025 ارتكبت انتهاكات واسعة ضد سوريين معارضين للنظام، وصلت إلى حد التعذيب وانتزاع اعترافات بالقوة.


ملفان مختلفان
المحلل السياسي حسام طالب يرى أن ثمة خلطًا متعمدًا بين ملفين مختلفين تمامًا:
المعتقلون اللبنانيون في سوريا: بعضهم محتجز منذ أكثر من أربعة عقود، ولم يظهر أي أثر لهم حتى بعد سقوط النظام وفتح السجون، ما يرجّح أنهم لم يعودوا على قيد الحياة.
المعتقلون السوريون في لبنان: غالبيتهم اعتقلوا لأسباب سياسية تتعلق بمعارضتهم للأسد، وغالبًا بطلب من “حزب الله”، وليس بسبب ارتكابهم جرائم جنائية.
ويعتبر طالب أن السوريين في السجون اللبنانية يعيشون ظروفًا قاسية نفسيًا وصحيًا، وأن استمرار احتجازهم يشكل قضية إنسانية بحتة يجب أن تُعالج بعيدًا عن أي حسابات سياسية.


تناقض في التصريحات اللبنانية
تصريحات وزير العدل اللبناني أثارت جدلًا واسعًا لدى الحقوقيين. فقد انتقد المحامي محمد صبلوح ما وصفه بـ”الازدواجية” في موقف الوزير، موضحًا أنه قدّم له وثائق تثبت الانتهاكات ضد معتقلين سوريين، لكن دون أي تحرك رسمي. في الوقت نفسه، يطالب الوزير بإطلاق سراح معتقلين لبنانيين في سوريا، بعضهم متورط في جرائم بحق المدنيين.


ويرى صبلوح أن هذا التناقض يضعف مصداقية الدولة اللبنانية، مشددًا على أن الحل الوحيد يكمن في مسار عدالة انتقالية يعترف بالانتهاكات ويعمل على جبر الضرر. كما أشار إلى أن أهالي المعتقلين السوريين يشعرون بظلم مضاعف، إذ يرون أن رفاق أبنائهم الذين أصبحوا في مواقع قيادية في سوريا الجديدة ينعمون بالحرية، بينما أبناؤهم لا يزالون خلف القضبان في لبنان.


العدالة لا تتجزأ
صبلوح شدد على أنه “لا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية”، فالمعتقلون السوريون في لبنان ضحايا منظومة قضائية وأمنية مرتبطة بالنظام السابق، بينما المعتقلون اللبنانيون في سوريا متهمون بجرائم قتل وتهريب ومجازر. أما المحلل السياسي حسام طالب، فرأى أن التباين بين مواقف الوزيرين يعكس اختلافًا حقيقيًا في طبيعة الملفين، معتبرًا أن موقف الوزير السوري أقرب إلى المنطق لأنه ينطلق من زاوية إنسانية.


وفي السياق ذاته، يرى صبلوح أن الحل العادل يجب أن يكون عبر قانون شامل للعدالة الانتقالية، يشمل جميع السجناء لبنانيين وسوريين، ويضع حدًا للفبركات والانتهاكات، بدلًا من المعالجات الجزئية التي قد تفجر الأوضاع داخل السجون. كما اتهم “حزب الله” بمحاولة استغلال الملف سياسيًا من خلال تضخيم أعداد المعتقلين السوريين أو ربطهم بالإرهاب.


شرط لتحسين العلاقات
بحسب مصادر سياسية، فإن لجانًا مشتركة بين البلدين تملك قوائم دقيقة بأسماء المعتقلين وظروف اعتقالهم، ما يجعل الوصول إلى حل ممكنًا إذا توفرت الإرادة السياسية. المحلل حسام طالب شدد على أن معالجة ملف المعتقلين السياسيين باتت ضرورة إنسانية عاجلة، وهي شرط أساسي لتحسين العلاقات بين الشعبين والدولتين.


من جانبه، يرى الباحث السياسي فراس علاوي أن الخلافات السياسية والتقنية لا تزال تعرقل أي اتفاق نهائي، مشيرًا إلى ضرورة الفصل بين الملفات المختلفة: المعتقلون السوريون السياسيون، المعتقلون اللبنانيون في سوريا، والمتهمون بجرائم جنائية مثل تهريب السلاح والمخدرات.


جولات تفاوضية متواصلة
شهد مطلع أيلول سلسلة من اللقاءات بين الطرفين، حيث زار وفد من الخارجية السورية بيروت في 1 أيلول، تلاه وفد حكومي لبناني إلى دمشق لمتابعة التفاصيل. وأسفرت المباحثات عن تشكيل لجان لتحديد مصير نحو ألفي سجين سوري في لبنان، والكشف عن مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا منذ عقود، إضافة إلى بحث ملفات أخرى مثل ترسيم الحدود.


وفي 8 أيلول، عقدت اللجان المشتركة اجتماعًا في دمشق، بحضور وزير العدل اللبناني عادل نصار، في خطوة تعكس جدية متزايدة في مقاربة هذا الملف.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10