جنوب لبنان والجولان.. أبعاد الاستيطان الإسرائيلي

2025.09.28 - 12:19
Facebook Share
طباعة

 يستمر التوتر على الحدود الشمالية لإسرائيل، مع تركيز الأنظار على التحركات الإسرائيلية في جنوب لبنان والجولان السوري المحتل. هذه المناطق، التي تحد إسرائيل من الشمال، شهدت خلال السنوات الأخيرة توسيعًا واضحًا للنقاط العسكرية والمراكز الثابتة، بما يوحي بإمكانية التحضير لاستيطان طويل الأمد.

حل الدولتين، الذي يتبناه المجتمع الدولي، يقوم على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وفق حدود عام 1967، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، أي ما يعادل نحو 22% من فلسطين التاريخية. هذا الإطار السياسي لم ينجح حتى الآن في وقف التمدد الإسرائيلي، سواء في الأراضي الفلسطينية أو في المناطق المحتلة من الدول المجاورة مثل الجولان وسيناء.

تاريخيًا، شهدت المنطقة أحداثًا مفصلية، ففي الخامس من يونيو 1967، خاضت إسرائيل حربًا استمرت ستة أيام ضد مصر والأردن وسوريا، ونتج عنها احتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. وبالرغم من التزامات إسرائيل الدولية بعدم ضم هذه الأراضي، فإن التحركات الأخيرة تشير إلى سياسات تثبيت الوجود العسكري في مناطق استراتيجية مرتفعة.

في جنوب لبنان، تُظهر التحركات الإسرائيلية توسعًا في السيطرة على التلال والمرتفعات، مع إقامة نقاط حدودية كبيرة ومستعمرات صغيرة، ما يعكس استراتيجية للحفاظ على "موطئ قدم" دائم، ويمنحها أفضلية مراقبة وتحكم. وبالمثل، في الجولان السوري المحتل، تعمل إسرائيل على تعزيز وجودها العسكري وتحسين البنية التحتية للسيطرة، بما يوحي بأنها تتعامل مع هذه الأراضي على أنها امتداد استراتيجي لدولتها.

المراقبون يشيرون إلى أن هذه التحركات لا تقتصر على البعد العسكري، بل تتعلق أيضًا بأهداف استراتيجية واسعة، تشمل السيطرة على مرتفعات هامة، وضمان حماية حدودها من أي تهديد محتمل، إضافة إلى استخدام عناصر محلية مثل الطائفة الدرزية في الجنوب السوري لتعزيز النفوذ، خاصة بعد أحداث السويداء الأخيرة.

وتوضح التطورات أن إسرائيل تعمل على ترسيخ مفهوم "الأمن الاستراتيجي" الخاص بها، عبر السيطرة على الأراضي المرتفعة والطرق الحيوية، وهو ما قد يؤدي في حال استمرار الوضع إلى ضغوط على لبنان وسوريا من أجل الاعتراف بالوقائع على الأرض. هذا الوضع يثير مخاوف من أن الأراضي المحتلة قد تصبح جزءًا دائمًا من ما تعتبره إسرائيل حدودها، ما يجعل استعادة أي جزء منها أمرًا بالغ الصعوبة في المستقبل.

بالإضافة إلى البعد العسكري، يشمل التمدد الإسرائيلي أهدافًا سياسية واستراتيجية، مثل فرض تأثير على عمليات ترسيم الحدود، والتحكم بالموارد الطبيعية، وتثبيت مواقع مراقبة يمكن الاستفادة منها في أي نزاع مستقبلي. هذا يعكس أن ما يجري ليس مجرد وجود عسكري محدود، بل سياسة طويلة الأمد تهدف إلى تغيير الوقائع على الأرض لصالح إسرائيل.

في هذا السياق، يبقى التساؤل حول إمكانية احتواء التوسع الإسرائيلي واستعادة الأراضي المحتلة أو تحقيق تسويات عادلة معقدًا، خاصة في ظل الافتقار إلى تقدم ملموس في المسار السياسي أو وقف التوسع الاستيطاني. كما أن استمرار هذه السياسات قد يغير موازين القوة في المنطقة ويزيد من التوترات بين إسرائيل والدول المجاورة، خصوصًا لبنان وسوريا، ويزيد من تعقيد أي جهود مستقبلية لتحقيق الاستقرار.

في المجمل، التحركات الإسرائيلية في جنوب لبنان والجولان تشير إلى سعي لتثبيت وجود دائم على الأراضي المحتلة، مع مراعاة استراتيجيات عسكرية وسياسية تضمن لها أفضلية استراتيجية طويلة المدى، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي متابعة دقيقة لهذه التطورات لضمان عدم تحويل الأراضي المحتلة إلى جزء دائم من الدولة الإسرائيلية دون حلول تفاوضية عادلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 6