العراق يتأرجح بين الرد والتهدئة الدولية

2025.09.28 - 10:19
Facebook Share
طباعة

 أثارت تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة، بشأن استهداف ما وصفها بـ"المليشيات" داخل الأراضي العراقية، موجة من الردود المتباينة في بغداد، بين مطالب بالرد الفوري وتحذيرات من التصعيد، وطرح دور محتمل للولايات المتحدة في تهدئة الموقف.

يأتي هذا الخطاب في وقت تتزايد فيه المخاوف من محاولات إسرائيل استغلال الأوضاع الإقليمية لصالح مشروع "شرق أوسط جديد"، وهو المشروع الذي يرى محللون أنه يهدف إلى توسيع نفوذ إسرائيل على حساب سيادة دول المنطقة، بما فيها العراق.

 

خطاب نتنياهو.. فشل أم تهديد؟

رأى عدد من الفصائل السياسية والأمنية العراقية في خطاب نتنياهو "تعبيرًا عن خيبة أمل إسرائيلية"، بينما اعتبره آخرون تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار العراقي. حسين الموسوي، المتحدث باسم حركة النجباء، وصف الخطاب بأنه "غير موفق وفاشل" ويسعى إلى تصدير مشاكل الداخل الإسرائيلي إلى المنطقة، محاولًا تصوير إسرائيل كمظلومة ولها الحق في الرد.

وأضاف الموسوي في حديثه للجزيرة نت أن مضمون الخطاب وكذا ردود الأفعال الدولية تؤكد "عجز إسرائيل الواضح عن تحقيق أي إنجاز فيما يتعلق بأهدافها في المنطقة". كما رأى أن خروج بعض الحاضرين خلال الخطاب يمثل "ردا صريحا على السياسات الفاشلة والتدميرية".

في المقابل، رحبت الحركة بالرد الرسمي العراقي على تهديدات نتنياهو، معربة عن ضرورة اتخاذ الحكومة مواقف أكثر حزما لحماية السيادة الوطنية والأجواء العراقية، وحماية كرامة المواطنين، بما في ذلك تقديم شكاوى دبلوماسية وإجراءات قانونية ضد أي طرف يسعى للإضرار بالعراق.

 

دور واشنطن في تهدئة الموقف

من جانبه، استبعد المستشار العسكري صفاء الأعسم أن توافق الولايات المتحدة على توجيه ضربات إسرائيلية مباشرة تستهدف العراق، مؤكدًا الدور الإستراتيجي للعراق وعمق العلاقة مع واشنطن. وقال إن وجود أكثر من 13 قاعدة عسكرية أميركية في البلاد، إلى جانب الانخراط الاقتصادي الكبير، يجعل من الصعب لأي طرف تقويض العلاقة الثنائية بسرعة.

وأشار الأعسم إلى أن الولايات المتحدة ستلعب دورا فاعلا في منع أي ضربات إسرائيلية محتملة، معتبرًا أن العراق يشكل فرصة استراتيجية لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة. وأضاف أن الأمور تسير حاليًا نحو التهدئة، ما لم تحدث تجاوزات كبيرة تتعلق بالملف النووي الإيراني.

 

الفصائل العراقية واستراتيجيات الرد

بالنسبة للفصائل المسلحة، أوضح الأعسم أن جميعها تتبع توجيهات القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، وأنها "تتعامل بشكل هادئ" في الوقت الحالي، مع استبعاد وقوع ضربات وشيكة إلا في حال تجاوزات كبيرة متعلقة بإيران.

في هذا السياق، حذر عباس الجبوري، رئيس مركز الرفد للدراسات، من أن أي استهداف محتمل للفصائل العراقية قد يهدد العملية السياسية بأكملها، مشيرًا إلى أن هناك تهديدات مباشرة لحياة عناصر هذه الفصائل. وربط الجبوري التهديدات الإسرائيلية بمشروع أوسع تقوده الولايات المتحدة لتأسيس "شرق أوسط جديد" تقوده إسرائيل، مؤكدا أن العراق ضمن أولويات هذا المشروع، وقد يكون مهددًا بالضرب والاستهداف في حال تدهور الوضع الإقليمي.

 

العراق بين الواقع والتهديدات

رغم كل التهديدات، تؤكد تحليلات أمنية أن احتمالية تنفيذ ضربات إسرائيلية على العراق في الوقت الحالي ضعيفة، نظرًا للقيود الإستراتيجية التي تفرضها العلاقة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن غياب منظومات الدفاع الكافية والاعتماد على الوساطة الأميركية يجعل العراق عرضة للتهديدات في المستقبل، خصوصًا إذا تصاعدت التوترات الإقليمية.

كما أشار الجبوري إلى تأثير انتهاء العمل بقرار مجلس الأمن رقم 2231 على إيران، محذرًا من أن أي تداعيات في هذا الملف قد تؤدي إلى تحريك الفصائل العراقية المدعومة لوجستيا من الخارج، ما قد يؤدي إلى تصعيد مباشر.

 

التوازن بين الرد والتهدئة

في خضم هذه التهديدات، يظهر العراق في موقع حساس بين مطالب بالرد على نتنياهو للحفاظ على السيادة الوطنية، والرغبة في تجنب التصعيد العسكري حفاظًا على الاستقرار الداخلي والعلاقات الإستراتيجية مع واشنطن. ويبدو أن الحكومة العراقية تحاول استغلال الدور الأميركي لضبط الموقف، في حين تظل الفصائل المسلحة جاهزة، لكنها متقيدة بالخطوط التي ترسمها القيادة الرسمية.

هذا التوازن، بين الدفاع عن السيادة الوطنية واحتواء المخاطر الإقليمية، سيظل اختبارًا دقيقًا لسياسات بغداد وقدرتها على حماية مصالحها وموقعها في الشرق الأوسط، وسط استمرار التهديدات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9