شهدت العاصمة الأوكرانية كييف صباح اليوم الأحد واحداً من أعنف الهجمات الروسية منذ اندلاع الحرب الشاملة قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف، ما دفع القوات الجوية الأوكرانية إلى إعلان حالة التأهب في عموم البلاد تحسباً لغارات إضافية، بينما رفعت بولندا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) جاهزيتهما العسكرية تحسباً لأي تطور قد يتجاوز الأراضي الأوكرانية.
قصف واسع النطاق
وقالت وكالة رويترز إن الطائرات المسيّرة الروسية حلقت بكثافة فوق كييف وضواحيها طوال الليل، في حين دوّت أصوات المضادات الجوية حتى ساعات الصباح الأولى. وأكدت السلطات المحلية أن بعض السكان لجؤوا إلى محطات المترو تحت الأرض بحثاً عن مأوى، فيما استمر القصف حتى الساعة 7:20 صباحاً بالتوقيت المحلي (04:20 بتوقيت غرينتش).
ووصفت مصادر مستقلة الهجوم بأنه "الأكبر على العاصمة منذ بدء الحرب"، مشيرة إلى أن حالة الاستنفار لم تقتصر على كييف، بل شملت معظم المناطق الأوكرانية التي تلقت تعليمات بفتح الملاجئ والاستعداد لأي طارئ.
رد فعل بولندي
وفي خطوة لافتة، أعلن الجيش البولندي إغلاق أجزاء من مجاله الجوي قرب مدينتي لوبلين وجيشوف شرقي البلاد، واصفاً الإجراء بأنه "احترازي يهدف إلى حماية السكان وتأمين الحدود" في ظل النشاط العسكري الروسي المتزايد.
وأضاف الجيش في بيان أن قواته، بالتعاون مع وحدات من الناتو، "تراقب الوضع عن كثب وتبقي على أهبة الاستعداد للرد الفوري على أي نشاط معادٍ". وأكدت بيانات لموقع "فلايت رادار" المتخصص أن الإغلاق جاء "بسبب نشاط عسكري غير مخطط له".
هذا الاستنفار يعكس المخاوف الأوروبية المتصاعدة من أن تمتد تداعيات الحرب إلى أراضي الحلف، خاصة بعد تسجيل عدة حوادث لاختراق مقاتلات أو طائرات مسيّرة روسية أجواء دول أعضاء في الناتو.
خطاب روسي وتحذيرات متبادلة
تزامن التصعيد الميداني مع خطاب ألقاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد فيه أن موسكو "لا تسعى لمهاجمة أوروبا أو دول الناتو"، لكنه شدد في المقابل على أن بلاده "سترد بشكل حاسم على أي عدوان".
ونفت موسكو لاحقاً أن تكون طائراتها قد دخلت المجال الجوي لدول الناتو، معتبرة أن أي اختراق محتمل هو نتيجة "تشويش إلكتروني من الجانب الأوكراني". لكن قادة أوروبيين وصفوا الحوادث بأنها "تحركات متعمدة لاختبار جاهزية الحلف"، محذرين من أن أي خرق متكرر سيواجه برد مباشر.
الناتو بدوره أكد هذا الأسبوع أنه "سيستخدم جميع الوسائل لحماية أجوائه وأراضيه"، في رسالة اعتبرها مراقبون إنذاراً لموسكو بأن حدود الحلف "خط أحمر".
صفقات تسليح جديدة
في موازاة ذلك، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده بصدد توقيع صفقات إضافية مع الولايات المتحدة لتوريد أسلحة بعيدة المدى، ضمن اتفاق واسع تصل قيمته إلى 90 مليار دولار.
وأوضح زيلينسكي أن وفداً أوكرانياً سيجتمع مع مسؤولين أميركيين في واشنطن نهاية سبتمبر/أيلول أو مطلع أكتوبر/تشرين الأول لمناقشة آليات تنفيذ الاتفاق. كما ستعقد رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا سفيريدينكو اجتماعات منفصلة مع مسؤولين أميركيين لبحث مشاريع استثمارية مشتركة.
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن بلاده تعمل على مشاركة خبراتها مع الحلفاء في مواجهة أسراب الطائرات المسيّرة، التي شكّلت إحدى أبرز أدوات الحرب منذ بدايتها عام 2022. وأكد أن أوكرانيا تطور حالياً برامج محلية لإنتاج طائرات مسيرة طويلة المدى يمكن استخدامها لضرب أهداف عسكرية واقتصادية داخل الأراضي الروسية.
مشهد مفتوح على التصعيد
ويرى مراقبون أن الهجوم الواسع على كييف وما تبعه من حالة استنفار في بولندا ودول أخرى من الناتو يعكس اتساع رقعة الحرب وتزايد المخاطر المحيطة بأوروبا الشرقية.
ويقول خبراء عسكريون إن "أي خطأ في الحسابات أو حادث عرضي يمكن أن يشعل مواجهة مباشرة بين روسيا والحلف"، الأمر الذي يجعل التوتر الراهن اختباراً حقيقياً لقدرة الطرفين على تجنّب الانزلاق إلى مواجهة أوسع.
وبينما تحاول موسكو التأكيد أن ضرباتها تستهدف أوكرانيا فقط، فإن أوروبا تراقب عن كثب كل حركة في أجوائها، وسط قناعة متزايدة بأن الحرب باتت تطرق أبوابها بشكل غير مباشر. أما كييف، فتواصل الرهان على الدعم الغربي لتثبيت دفاعاتها واستعادة زمام المبادرة في صراع لم تظهر بوادر نهايته حتى الآن.