يشهد لبنان حالة من الترقب الحذر بشأن تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح، وسط تساؤلات حول تأثير الانسحاب الإسرائيلي من النقاط المحتلة في الجنوب على تطبيق الخطة العسكرية. تأتي هذه التوترات بعد تصريحات الموفد الأميركي توماس برّاك التي أعادت النقاش إلى نقطة البداية، مع التركيز على قدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها على كامل أراضيها.
في الخامس من أغسطس/آب الماضي، اعتمدت الحكومة اللبنانية خطة لحصر السلاح، تفرض على الجيش تقديم تقرير شهري عن تقدم التنفيذ. ومع اقتراب موعد التقرير الأول في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، باتت التساؤلات حول مدى قدرة الجيش على التطبيق فعلياً تتصدر المشهد السياسي.
تصريحات برّاك الأخيرة أوحت بأن الإدارة الأميركية لا تقبل بمقاربة التدرج أو الربط بين انسحاب إسرائيل وتنفيذ حصر السلاح، معتبرة أن أي تأخير قد يضر بالالتزامات الدولية تجاه لبنان. وفق مصادر دبلوماسية في واشنطن، فإن موقف برّاك يعكس تشديد الإدارة الأميركية على ضرورة ترجمة القرارات اللبنانية إلى خطوات ملموسة على الأرض، دون انتظار خطوات مسبقة من الجانب الإسرائيلي.
في المقابل، جاء الموقف الإيراني ليرسّخ عدم استعداد "حزب الله" للتراجع عن موقفه، حيث نفى رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف وجود أي طريق "مسدود بالمطلق" لإيصال الأسلحة إلى الحزب، مؤكداً أن الحزب يمتلك قدرات متجددة ومتماسكة على جميع الأصعدة، ما يعكس استمرار الدور السياسي والعسكري للحزب داخل لبنان.
من جهة أخرى، ربط رئيس الجمهورية اللبناني جوزاف عون، خلال لقائه وزير خارجية ألمانيا، تنفيذ خطة الجيش بعقبة الاحتلال الإسرائيلي. وقال إن تنفيذ قرار حصر السلاح بالقوة غير وارد طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للتلال والنقاط المحتلة. هذا الموقف يعكس التوازن الدقيق بين الضغط الدولي والقيود الواقعية على الأرض، مع تجنب أي خطوة قد تؤدي إلى تصعيد مباشر.
قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل، من جهته، أكد أن تنفيذ خطة الحصر سيكون على مراحل، مع التركيز على الاحتواء ومنع أي مظاهر مسلحة دون الاقتحام المباشر لمخازن الأسلحة. ومع ذلك، يبقى السيناريو المحتمل لتجميد الخطة في حال امتناع إسرائيل عن الانسحاب أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات اللبنانية، وسط مخاوف من تأجيل النتائج أو الحد من فاعلية الخطة.
المقاربة الحالية، وفق تحليل سامي نادر، مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، لا تعتمد على القانون وحده، بل على موازين القوى، التي تميل اليوم لمصلحة إسرائيل. ويرى نادر أن ربط الانسحاب الإسرائيلي بتنفيذ خطة الحصر "مقاربة خاطئة وخطرة"، مشيراً إلى أن التنفيذ السريع والمقنع للخطة هو ما يمنع عودة الحرب.
نادر حذر من أن عدم وضع جدول زمني واضح للخطة يتيح لإسرائيل حجة لتوسيع نفوذها، خصوصاً أن الهدف الإسرائيلي يتمثل في إعادة رسم المعادلة على حدودها مع لبنان وسوريا. وأكد أن الموفدين الدوليين والعرب يحاولون دعم الجيش اللبناني والحكومة لتثبيت سيادة الدولة وتنفيذ حصر السلاح، إلا أن التأخير أو غياب الجدية قد يؤدي إلى تصعيد محتمل.
من جانبه، شدد السفير اللبناني السابق في واشنطن أنطوان شديد على أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يشددان على حصرية السلاح كشرط أساسي لأي دعم مستقبلي. وأضاف أن أي محاولة ربط التنفيذ بانسحاب إسرائيل "مرفوضة أميركياً"، مشيراً إلى أن لبنان يجب أن يظهر خطوات ملموسة في ملف حصر السلاح، مع الحفاظ على فهم الموقف الأميركي والضغط المتدرج.
التفسير الجيوسياسي، بحسب العميد المتقاعد إلياس حنا، يشير إلى أن استراتيجية إسرائيل في الجنوب تهدف إلى التحكم بالعمق الجغرافي وتأمين حدودها، ما يجعل أي انسحاب للبنان أو "حزب الله" مرتبطاً بموازين القوى الإقليمية أكثر من كونه قراراً داخلياً. ورأى حنا أن لبنان الفريق الأضعف في المعادلة، والطريق الوحيد أمامه هو الحل الدبلوماسي وتنفيذ القرارات الدولية، مع منح الحزب فرصة للنزول عن المواقف التصادمية تدريجياً.
في المحصلة، تبدو خطة حصر السلاح اللبنانية محكومة بعوامل داخلية وخارجية متشابكة، تشمل موقف الولايات المتحدة، الانسحاب الإسرائيلي، سياسات "حزب الله"، والضغوط الدولية. وبينما يمثل تنفيذ الخطة خطوة حاسمة لتعزيز سيادة الدولة ومنع التصعيد، فإن تحديات الواقع السياسي والأمني تجعل من التطبيق الفعلي أمراً معقداً، ويضع لبنان في مواجهة خيارات دقيقة بين الضغط الدولي والحدود الواقعية للنفوذ المحلي والإقليمي.