تشهد محافظة السويداء منذ عدة أيام أزمة حادة في مادة الطحين، أدت إلى توقف الأفران وإغلاقها بشكل كامل، ما انعكس مباشرة على حياة الأهالي وأثار موجة من القلق والمطالبات بالإسراع في تلبية الاحتياجات الأساسية. الأزمة تحولت إلى قضية رأي عام، بعدما بادر ناشطون إلى إطلاق ما عُرف بـ"بيان الطحين" تضامناً مع عائلات المحافظة.
بيان تضامني
"بيان الطحين" الذي أطلقه ناشطون سوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دعا إلى فكّ ما وصفوه بـ"الحصار عن السويداء" وتحييد المدنيين عن أي صراع قائم، مع التشديد على أن الغذاء والدواء حق أساسي لا يجوز استخدامه كوسيلة ضغط. البيان أعاد التذكير ببيانات مماثلة في السنوات الماضية، مثل "بيان الحليب" الذي رفع شعار حماية الأطفال من آثار الحصار.
البيان شدد على أن "السويداء بلا خبز ولا طحين لليوم الثالث على التوالي"، وطالب بالاستجابة الفورية لتأمين المادة، محذراً من تفاقم الأوضاع الإنسانية إذا طال أمد الأزمة.
تصريحات محلية حول الأزمة
في موازاة ذلك، أوضح محافظ السويداء أن سبب انقطاع الطحين يعود إلى منع التواصل بين المؤسسات المحلية والجهات الرسمية في دمشق. وأكد أن الحكومة أبدت استعدادها لإرسال القمح والطحين، لكنها بحاجة إلى جهة محلية تستلم الكميات وتوزعها على الأفران، وهو ما لم يتوفر حتى الآن.
وأشار المحافظ إلى أن المطاحن في المحافظة كانت تحتوي على نحو ألفي طن من القمح، لكنها لم تطلب شحنات إضافية من مؤسسة الحبوب بعد استهلاك تلك الكميات. وأضاف أن هناك تقارير عن بيع الطحين والمساعدات في السوق بطرق غير نظامية، الأمر الذي زاد من تعقيد الأزمة.
اتهامات بالفساد
الأزمة لم تقتصر على نقص المادة فحسب، بل رافقتها اتهامات بالفساد وسوء الإدارة. فقد ظهر مدير أمن مدينة السويداء في تسجيل مصور اتهم فيه مسؤولين في المطاحن واللجنة القانونية بالاستيلاء على أموال مخصصة للطحين، مشيراً إلى أن قيمة المادة المباعة للأفران بلغت مئات آلاف الدولارات، من دون سداد قيمتها للمؤسسة العامة للحبوب.
هذه الاتهامات أضافت بُعداً جديداً للأزمة، حيث أثيرت تساؤلات حول مصير الموارد المتاحة وغياب آليات رقابة فعّالة تحول دون تكرار مثل هذه المشكلات.
استجابة إنسانية
وسط هذه التطورات، تحركت منظمات إنسانية لإرسال مساعدات عاجلة إلى المحافظة. فقد وصلت يوم السبت قافلة محملة بنحو 200 طن من الطحين عبر طريق دمشق، بإشراف الهلال الأحمر العربي السوري وبالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي.
القافلة جاءت في إطار الاستجابة الإنسانية المستمرة التي تهدف إلى تخفيف معاناة الأهالي وتوفير الخبز والمواد الأساسية. وأكد القائمون على العملية أن إرسال القوافل سيستمر بشكل دوري، ما دام الوضع يتطلب ذلك.
انعكاسات الأزمة على الحياة اليومية
الأزمة تركت آثاراً مباشرة على السكان، إذ شهدت الأسواق ارتفاعاً في أسعار الخبز والمواد الغذائية المرتبطة بالطحين. كما سجلت طوابير طويلة أمام بعض الأفران التي حاولت الاستمرار بالعمل بكميات محدودة. وعبّر العديد من الأهالي عن خشيتهم من استمرار الوضع على هذا النحو، خاصة مع بداية فصل الخريف وما يحمله من تحديات معيشية إضافية.
دعوات للحوار والحلول المستدامة
مع استمرار النقاش حول جذور المشكلة، ارتفعت أصوات محلية تطالب بضرورة إيجاد آليات مستقرة لتأمين المواد الأساسية بعيداً عن التجاذبات السياسية. وأكدت هذه الأصوات أن تحييد المدنيين عن الصراع يجب أن يكون أولوية قصوى، وأن أي خلافات ينبغي أن تُعالج بالحوار لا عبر استخدام الغذاء كأداة ضغط.