لبنان تحت الضغط الأميركي: قراءة في تصريحات براك وخلفياتها السياسية

2025.09.25 - 09:24
Facebook Share
طباعة

تتواصل التطورات اللبنانية في سياق إقليمي متشابك، حيث خرج المبعوث الأميركي توم برّاك بتصريحات اعتبرت بمثابة تحوّل في مقاربة واشنطن تجاه لبنان، كلامه الأخير لم يكن مجرد ملاحظات تقليدية، بل حمل دلالات سياسية وأمنية قد تعيد ترتيب المشهد الداخلي وتضع الحكومة والجيش في مواجهة مباشرة مع ضغوط خارجية شديدة.

تصريحات برّاك توضح أن هذه المواقف تتجاوز التقييم التقليدي لأداء الدولة، لتدخل في صلب النزاع السياسي والاستراتيجي، مع تأثيرات محتملة على الحدود الجنوبية وسير العمليات العسكرية والأمنية.

الوسيط أم طرف؟

أول عناصر الخطورة يكمن في تحول دور المبعوث الأميركي من وسيط محايد إلى طرف يتبنى السردية الإسرائيلية بشكل مباشر، حين وصف الحكومة اللبنانية بأنها تكتفي بالكلام بشأن نزع سلاح "حزب الله"، ووصف الأخير بـ"العدو"، لم يعد الحديث مجرد توصيف، بل أصبح وسيلة للضغط المباشر على السلطات اللبنانية، هذا التحول يفتح المجال أمام تصعيد سياسي وأمني محتمل، ويضع الدولة اللبنانية أمام مساءلة علنية غير مسبوقة.

توقيت حساس وتأثيره على المناورة اللبنانية:

جاءت تصريحات برّاك في وقت حساس، مع وجود الرئيس اللبناني في نيويورك لمتابعة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وانطلاق مسارات دبلوماسية دولية لدعم حل الدولتين في فلسطين.
التوقيت يضع بيروت في موقف محرج، ويحد من حرية تحركها السياسي والأمني، ويعرض خطط الجيش اللبناني للتقييم الدولي المباشر قبل اكتمال التحضيرات والآليات التنفيذية.

التلاقي مع السردية الإسرائيلية:

الخطاب الأميركي الأخير أظهر درجة عالية من التوافق مع الرواية الإسرائيلية، بدءًا من اعتبار "حزب الله" يعيد بناء قوته، إلى التأكيد على محدودية قدرات الدولة اللبنانية على نزع السلاح خشية حرب أهلية، هذا التلاقي يرفع سقف التوقعات الإسرائيلية ويفتح الباب أمام إجراءات أمنية على الحدود، بينما يضع لبنان في موقع الدفاع عن قدراته وإمكاناته أمام المجتمع الدولي.

انعكاسات محتملة على الداخل اللبناني:

خطابات برّاك تؤثر أيضًا على الداخل اللبناني، إذ تضع الحكومة والجيش في قفص الاتهام، مما قد يؤدي إلى تقويض ثقة الجمهور بالمؤسسات، وإثارة سجالات حول أدوارها، ويُربك العلاقة مع اليونيفيل في الجنوب.
كما توجه رسائل ضغط إلى القوى الداعمة للبنان، بما في ذلك "مجموعة أصدقاء لبنان"، وتحول الدعم من إطار مساعد إلى أداة ضغط سياسي مباشر.

خيارات الرد اللبناني:

في مواجهة هذا الضغط، يُعد تثبيت سردية مضادّة على المستوى المؤسسي أمرًا ضروريًا. إعادة النقاش إلى الإطار الرسمي تتطلب التزامًا متدرجًا بخطة نزع السلاح، مع جداول واضحة، وضمانات تنفيذية تشمل الانسحاب من النقاط المحتلة وتخفيف الخروقات. كذلك، يبرز أهمية تحييد دور الوسيط عن النزاع عبر تفعيل قنوات دبلوماسية مع العواصم المؤثرة لضمان عدم تحويل الضغط إلى ذريعة لتصعيد أكبر.


يرى مراقبون أن خطورة التصريحات تكمن في وظيفتها السياسية أكثر من حدتها اللفظية، فهي تحول التقييم إلى تجريم، والوساطة إلى اصطفاف، والضغط إلى ذريعة لتوسيع النفوذ على الأرض اللبنانية.
في ظل المعطيات، يصبح التركيز على إدارة الخطاب الداخلي والمؤسسي، وتثبيت المسارات الأمنية والسياسية، شرطًا للحفاظ على الاستقرار ومنع الانزلاق نحو مواجهة أوسع قد تضر بمصالح لبنان والحدود الجنوبية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 7