في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حمل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبعاداً استراتيجية تتجاوز مجرد عرض معاناة شعبه.
الخطاب لم يكن مجرد سرد للأحداث، بل محاولة لتحديد الأولويات الفلسطينية أمام المجتمع الدولي ولإعادة صياغة الموقف الفلسطيني بعد سنوات طويلة من الحصار والاحتلال والاستيطان من خلال رسائل واضحة ومركزة، عرض عباس أطر الحلول الممكنة، مع التأكيد على أن السلام لن يتحقق إلا عبر عدالة حقيقية وتطبيق القانون الدولي، بعيداً عن الانحيازات السياسية والضغوط الإقليمية والدولية.
الخطاب مثل نافذة لفهم رؤية القيادة الفلسطينية لكيفية الانتقال من واقع مأساوي إلى خيارات عملية قابلة للتنفيذ على الأرض.
أبعاد الحرب على غزة:
تطرق عباس إلى الوضع في قطاع غزة، واعتبر ما يجري حرب إبادة وتشريد وتجويع، أدت إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، فضلاً عن تهجير مئات الآلاف وتدمير البنية التحتية الأساسية. وأكد أن الاحتلال استهدف المنازل والمدارس والمستشفيات والمقابر والمساجد والكنائس، ما يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. هذه الوقائع تمثل تحدياً صارخاً أمام المجتمع الدولي، وتؤكد أن استمرار الوضع الحالي يقوض أي إمكانية للحوار أو الحلول السياسية.
الضفة الغربية وسياسة الاستيطان:
انتقل الرئيس الفلسطيني في خطابه إلى الضفة الغربية، مسلطاً الضوء على استمرار السياسات الاستيطانية ومخططات الضم، بما فيها مشاريع كبرى تهدف إلى تقسيم الضفة وعزل القدس. هذه الخطط لا تتجاوز كونها انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتؤثر مباشرة على إمكانية حل الدولتين. عباس ربط بين التوسع الاستيطاني وتهديد الشرعية الفلسطينية، مؤكدًا أن استمرار هذه السياسات يضعف الأساس السياسي لأي تسوية مستقبلية ويهدد الاستقرار الإقليمي.
موقف السلطة الفلسطينية تجاه حماس:
رفض أعمال العنف التي قامت بها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين، موضحاً أن هذه الأفعال لا تمثل النضال المشروع للشعب الفلسطيني. وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية مستعدة لتحمل المسؤولية الكاملة عن إدارة غزة شرط أن تسلم جميع الفصائل أسلحتها وتنسجم تحت سلطة واحدة وقانون واحد وأجهزة أمنية موحدة.
هذا الموقف يعكس سعي القيادة الفلسطينية إلى توحيد مؤسسات الدولة وتجاوز الانقسام الداخلي الذي أعاق العمل السياسي والإنساني في السنوات الماضية.
جذور المأساة الفلسطينية:
تطرق الخطاب إلى السياق التاريخي للصراع، بدءاً من النكبة عام 1948 وتهجير ملايين الفلسطينيين، مروراً بعقود من الاحتلال والسياسات القمعية، وصولاً إلى أكثر من ألف قرار دولي لم يتم تنفيذه. عباس شدد على أهمية الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وضرورة تحويل الدعم النظري إلى إجراءات عملية، مع التأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
النقاط العشر للحل الفلسطيني:
اختتم الرئيس الفلسطيني خطابه بتقديم تسع نقاط أساسية تشمل:
وقف الحرب فوراً وإدخال المساعدات الإنسانية دون شروط، وإطلاق سراح الأسرى.
الانسحاب الكامل من غزة ووقف التهجير والاستيطان، وتمكين الدولة الفلسطينية من تحمّل مسؤولياتها.
ضمان بقاء السكان على أراضيهم وبدء خطة لإعادة الإعمار ورفع الحصار الاقتصادي.
التحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد الحرب، والانتقال من سلطة إلى دولة عبر دستور مؤقت.
العمل مع المجتمع الدولي لتنفيذ خطة السلام الأخيرة.
تأتي هذه النقاط كإطار استراتيجي واضح يربط بين حماية المدنيين، استعادة السيادة، وتقديم حلول سياسية قابلة للتطبيق على الأرض.
يرى مراقبون أن خطاب عباس يمثل محاولة لإعادة تعريف الأولويات الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، مع التركيز على العدالة وحقوق الإنسان كأساس لأي تسوية.
الرسائل الموجهة كانت واضحة: لا سلام بدون حرية ولا عدالة بدون دولة مستقلة، ولا يمكن تجاوز الحقوق الفلسطينية تحت أي ظرف الخطاب لم يقتصر على سرد الأزمة بل قدم مقاربة استراتيجية تجمع بين الحل السياسي وضرورة حماية المدنيين وإعادة بناء المؤسسات، ما يوضح أن القيادة الفلسطينية تبحث عن دعم دولي متوازن للتعامل مع التحديات الراهنة.