هل يقترب اليمن من سيناريو الدولتين؟

2025.09.25 - 03:38
Facebook Share
طباعة

أعاد تصريح عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، حاجة اليمن إلى حل الدولتين النقاش مجدداً حول مستقبل البلاد الممزقة بين حرب طويلة وحلول سياسية مسدودة، فالزبيدي يرى أن الحوثيين لن تتم إزاحتهم من السلطة عبر القصف أو الضغط العسكري، كما أن فرص التوصل إلى تسوية سياسية عادلة تكاد تكون معدومة، وهو ما يجعله يطرح خيار العودة إلى واقع الدولتين كسبيل وحيد لإيجاد استقرار دائم.

واقع الانقسام على الأرض:

منذ عام 2014 يسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من شمال اليمن، فيما تمركز المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن وأغلب المحافظات الجنوبية ورغم محاولات المجتمع الدولي الإبقاء على شكل الدولة الموحدة، فإن الحقائق على الأرض تفرض واقعاً مختلفاً، يقوم على سلطتين منفصلتين عملياً، لكل منهما مؤسساته وأجهزته وأسلوبه في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته.

خلفية تاريخية للوحدة والانفصال:

ظل اليمن مقسوماً إلى دولتين مستقلتين حتى عام 1990 حين تم إعلان الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب غير أن الوحدة لم تدم على استقرار طويل، إذ اندلعت حرب أهلية عام 1994 انتهت بانتصار قوات الشمال، لكن مشاعر التهميش في الجنوب لم تختفِ، بل تزايدت لتتحول لاحقا إلى مطالب علنية بالانفصال.
ومع سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، استعاد الجنوبيون خطاب الانفصال باعتباره السبيل لحماية مناطقهم من الانهيار الكامل.

مأزق الحرب الطويلة:

مع اندلاع الحرب في مارس 2015، تدخل التحالف بقيادة السعودية لمنع الحوثيين من التوسع نحو الجنوب وقد تمكنت قوات التحالف بالفعل من منع سيطرتهم على عدن والمناطق المجاورة، لكن سنوات الحرب الطويلة أثبتت أن الحل العسكري غير قادر على إقصائهم بشكل كامل. فالحوثيون طوروا قدراتهم العسكرية واستخدموا الصواريخ والطائرات المسيرة لضرب أهداف داخل السعودية ثم وسعوا عملياتهم لاحقاً لتشمل البحر الأحمر ما جعل فكرة استئصالهم عسكرياً بعيدة المنال.

فشل مسارات التفاوض:

فشلت جولات المفاوضات التي حاولت الأمم المتحدة رعايتها في إنتاج تسوية سياسية متوازنة. فالحوثيون يرفضون تقاسم السلطة ويتمسكون بسيطرتهم على صنعاء ومؤسسات الدولة، بينما ترى الحكومة المعترف بها دولياً أن أي تسوية لا تنزع سلاح الحوثيين ستقود إلى تكريس هيمنتهم. هذا الانسداد السياسي جعل المجلس الانتقالي الجنوبي أكثر تمسكاً بخيار الانفصال.

خطوات أحادية وتصعيد سياسي:

أقدم الزبيدي مؤخراً على إصدار 11 مرسوماً قضائياً شمل تعيينات إدارية في الجنوب، وهو ما أثار غضب السعودية والولايات المتحدة باعتباره تجاوزا لآلية مجلس القيادة الرئاسي المشكل عام 2022. هذا التصعيد يعكس شعور المجلس الانتقالي بأن مشاركته في صنع القرار هامشية، وأنه يتحمل مسؤولية أمام جمهوره من دون امتلاكه الأدوات الكاملة لإدارة شؤون الجنوب ومع تردي الخدمات وانقطاع الكهرباء وتأخر الرواتب وتراجع عائدات النفط بسبب هجمات الحوثيين على الموانئ، يواجه المجلس ضغوطاً شعبية متزايدة تهدد مكانته.

سيناريوهات المستقبل:

المسار الأول هو استمرار الوضع الراهن، حيث يبقى الشمال تحت سيطرة الحوثيين والجنوب تحت إدارة المجلس الانتقالي وحكومة معترف بها دولياً ولكن ضعيفة.
المسار الثاني يتمثل في محاولة جديدة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة، وهو احتمال ضعيف بسبب تعنت الحوثيين.
أما المسار الثالث فهو تحقق رؤية الزبيدي بانفصال الجنوب واستعادة دولة مستقلة، مستنداً إلى ما يصفه أنصاره بمقومات اقتصادية وبنية تحتية من موانئ ومصافي نفط تجعل الجنوب قادرا على الصمود.

تعقيدات المآلات المحتملة:

أي من هذه السيناريوهات لا يبدو قابلاً للتحقق بسهولة فاستمرار الوضع الراهن يعني إطالة أمد الأزمة الإنسانية، والتسوية السياسية رهينة بتغير جذري في موقف الحوثيين، أما خيار الانفصال فسيصطدم برفض دولي واسع على الأقل في المدى القريب.
ومع ذلك، فإن تزايد الإحباط في الجنوب وتنامي قوة الحوثيين في الشمال يعيدان إلى الواجهة جدلاً قديما حول جدوى الوحدة وإمكانية عودة اليمن إلى واقع الدولتين كخيار لا يمكن تجاهله في المدى البعيد. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3