الروشة بين الاحتفال والمنع: فتيل فتنة جديدة

2025.09.25 - 10:24
Facebook Share
طباعة

 في لحظة سياسية وأمنية بالغة الحساسية يمرّ بها لبنان بعد وقف إطلاق النار، تبدو الحاجة ملحّة لتكريس أجواء التهدئة وتوسيع المساحات المشتركة بين المكوّنات اللبنانية. غير أن مسار الأحداث الأخيرة أظهر توجهاً معاكساً، مع دخول رئيس الحكومة نواف سلام في دائرة الاتهامات بإشعال فتيل الانقسام عبر قرارات مرتبطة بإحياء ذكرى اغتيال حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.


القضية بدأت حين أعلن حزب الله عزمه على تنظيم احتفال في منطقة الروشة، يتضمن عروضاً بحرية وموسيقية وإضاءة صخرة الروشة بصورة القياديين. الخطوة، بحسب الحزب، جاءت لإعطاء المناسبة طابعاً وطنياً جامعاً، بعيداً عن مناطقه التقليدية في الضاحية الجنوبية أو الجنوب والبقاع، وللتأكيد أن بيروت هي عاصمة كل اللبنانيين.


لكن رئيس الحكومة نواف سلام اتخذ موقفاً متشدداً، معارضاً استخدام الأملاك العامة لهذه الغاية، الأمر الذي اعتبره خصومه خروجاً عن روح الوحدة الوطنية، ومنحاً للخصوم السياسيين الضوء الأخضر لتأجيج الخطاب الطائفي، والتعامل مع المناسبة بوصفها استعراضاً فئوياً لا جامعاً.


سلام، الذي يسوّق لنفسه كوجه إصلاحي خارج المنظومة التقليدية، واجه اتهامات بأنه يتصرف بعقلية أمراء الحرب، متلطياً خلف القوانين والإجراءات الشكلية، فيما جوهر القضية سياسي بامتياز. فرفض إضاءة الصخرة برمزية القياديين يعني، بحسب منتقديه، حصر دورهما في الإطار الحزبي والطائفي، بدلاً من الاعتراف بمكانتهما الوطنية التي يراها شطر واسع من اللبنانيين.


خصوم سلام يرون أن قراره سمح لتيارات يمينية تقليدية وجديدة، إضافة إلى بعض النواب والناشطين السياديين، بأن يوجّهوا رسالة واضحة لحزب الله وبيئته: «مكانكم ليس في قلب العاصمة، بل في حدود مناطقكم». لكن الحزب وبيئته، بحسب هؤلاء، لهم تاريخ طويل في بيروت منذ اجتياح 1982، حين كان شبانهم أول من تصدّى للغزو الإسرائيلي، كما أنهم لم ينكفئوا عن العمل السياسي والمدني رغم كل محاولات الإقصاء.


وفي الانتخابات البلدية الأخيرة، اختار الحزب المشاركة بروح جامعة، وساهمت أصواته في ضمان المناصفة داخل المجلس البلدي للعاصمة، وهو ما يعتبره مناصروه دليلاً على انفتاحهم على جميع المكوّنات.


وعلى خط التهدئة، تكشفت معلومات عن اجتماع إيجابي جمع نواب حزب الله بوزير الداخلية أحمد الحجار، حيث جرى النقاش بعيداً عن التوتر، وأكد الوزير حرصه على التعاون لتفادي أي صدام. كما بادر سلام نفسه للاتصال برئيس مجلس النواب نبيه بري لمناقشة الموضوع.


وفي موازاة ذلك، أعلن محافظ بيروت مروان عبود صدور التراخيص اللازمة لإقامة النشاط على الكورنيش البحري، مع التشديد على عدم إقفال الطرقات أو عرقلة السير. أما ما تردد عن التزام المنظمين بعدم إضاءة الصخرة، فقد نفت مصادر متابعة ذلك بشكل قاطع، مؤكدة أن القرار النهائي لا يزال بيد الحزب وحده.


المشهد برمته يعكس التناقض العميق الذي يعيشه لبنان: بلد يحتاج إلى مبادرات جامعة بعد حرب مدمرة، فيما تتحول المناسبات الوطنية إلى منصات لتصفية الحسابات السياسية والطائفية. وفي وقت يُفترض أن يسعى المسؤولون إلى بناء جسور بين اللبنانيين، تبدو بعض القرارات وكأنها تصب في اتجاه تعميق الشرخ القائم، وفتح الباب أمام مزيد من التوترات التي يهدد أي انفجار فيها بانزلاق البلاد مجدداً نحو الفوضى.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4