سردية مقلوبة.. نتنياهو يدّعي أن الفلسطينيين جاؤوا بعد جده الأكبر

2025.09.25 - 10:21
Facebook Share
طباعة

في مقابلة مع المؤثر اليميني الأمريكي داينش دوسوزا، أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طرح سردية مثيرة للجدل حول الوجود الفلسطيني في القدس، مدعياً أن "معظم الفلسطينيين الذين يعيشون في المدينة اليوم جاؤوا إليها بعد وصول جده الأكبر في القرن التاسع عشر". تصريحات نتنياهو التي جاءت في سياق تبرير "الحق التاريخي" لليهود في فلسطين، أثارت انتقادات واسعة، خصوصاً أنها تتجاهل حقائق راسخة في علم التاريخ والآثار والسكان، فضلاً عن أن الدراسات الأكاديمية تثبت تواصل الوجود العربي – الفلسطيني في القدس منذ قرون طويلة قبل موجات الهجرة اليهودية المنظمة أواخر القرن التاسع عشر.

 


1. مزاعم نتنياهو حول "الأصول اليهودية"

قال نتنياهو: "اليهود انتشروا من أرض إسرائيل إلى أوروبا والشرق الأوسط... لكننا لم ننس هذه الأرض أبداً". وأضاف: "جدي الأكبر وصل إلى هنا في القرن التاسع عشر، ومعظم الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم جاؤوا بعد وصوله".
هذا الخطاب يعكس السردية الصهيونية التقليدية التي تربط بين "الوعد التوراتي" والهجرات اليهودية إلى فلسطين باعتبارها "عودة" إلى أرض الأجداد.


تفنيد: الحقائق الديموغرافية والتاريخية

التواجد الفلسطيني في القدس قديم ومستمر: سجلات العهد العثماني منذ القرن السادس عشر تثبت أن القدس كانت ذات غالبية عربية – مسلمة، مع وجود مسيحيين ويهود، لكن العرب كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة.

الإحصاءات العثمانية (1870–1917): تشير إلى أن المسلمين والمسيحيين شكّلوا ما يزيد عن 90% من سكان فلسطين، واليهود أقلية صغيرة لا تتجاوز 8%.

الهجرات اليهودية المنظمة بدأت مع الموجة الأولى (1882–1903) نتيجة النشاط الصهيوني، أي بعد قرون من استقرار الفلسطينيين في مدن وقرى القدس ونابلس ويافا والخليل.

مقولة نتنياهو أن الفلسطينيين "جاؤوا بعد جده" تتناقض مع الوثائق التاريخية التي تثبت أن عائلات مقدسية بارزة – كآل الحسيني والخالدي والأنصاري – كانت موجودة في القدس قبل قدوم المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية.


الادعاء بأن إسرائيل "وادي السيليكون" الشرق الأوسط

نتنياهو وصف إسرائيل بأنها "مجتمع ديمقراطي رائد في التكنولوجيا رغم الهجمات المستمرة".
لكن تقارير حقوقية دولية (هيومن رايتس ووتش، العفو الدولية) صنّفت نظام الحكم في إسرائيل باعتباره يمارس سياسات فصل عنصري (أبارتهايد) ضد الفلسطينيين، وهو ما يناقض سردية "الديمقراطية". كما أن التطور التكنولوجي لا ينفي كلفة الاحتلال وسياسات التهجير.

المسيحيون وإسرائيل

ادعى نتنياهو أن "إسرائيل هي المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي يشعر فيه المسيحيون بالأمان".
لكن الوقائع تشير إلى أن:

نسبة المسيحيين الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية تراجعت بشكل حاد بسبب الاحتلال، مصادرة الأراضي، وقيود الحركة.

رؤساء الكنائس المسيحية في القدس أصدروا مراراً بيانات تحذر من اعتداءات المستوطنين ومحاولات الاستيلاء على ممتلكاتهم، وهو ما يتعارض مع خطاب نتنياهو عن "الترحيب بالمسيحيين".

 


تصريحات نتنياهو تأتي في توقيت حساس، إذ يواجه انتقادات داخلية على خلفية الحرب في غزة وتوتر العلاقات مع واشنطن وأوروبا بسبب الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين. ويبدو أن اللجوء إلى السرديات التاريخية هدفه شد العصب القومي لقاعدته اليمينية، في وقت يتراجع فيه التأييد الدولي لسياساته.
لكن إعادة كتابة التاريخ عبر إنكار الوجود الفلسطيني المستمر منذ قرون لا يلغي الحقائق المثبتة بالأرشيف العثماني والبريطاني والدراسات الديموغرافية، التي تفند بدقة مزاعم أن الفلسطينيين "طارئون" على القدس.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6