رسائل أميركية متناقضة تزيد الغموض حول مصير التهدئة في لبنان

2025.09.24 - 09:44
Facebook Share
طباعة

 أثارت تصريحات المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، توماس برّاك، عاصفة من الجدل في الأوساط اللبنانية بعد حديثه عن «التهديدات» التي تشكلها المقاومة وعن «التقصير» المنسوب إلى الدولة اللبنانية في تنفيذ التزاماتها. كلام برّاك، الذي تضمّن إشارات إلى ضرورة «قطع رؤوس الأفاعي» ووقف ما وصفه بتمويلها، اعتبرته شخصيات سياسية في بيروت أقرب إلى منح غطاء سياسي لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل توسيع دائرة المواجهة مع لبنان.


ووفق معطيات تسرّبت من اجتماعات دبلوماسية عُقدت أخيراً، فإن تصريحات برّاك لم تكن ارتجالية، بل جاءت بعد نقاشات معمقة داخل الإدارة الأميركية، وسط ضغوط من أطراف تتبنى بالكامل وجهة النظر الإسرائيلية وتحمّل المبعوث نفسه مسؤولية «اللين» في تعامله مع المسؤولين اللبنانيين. هذه الأطراف رأت أن مقاربة برّاك السابقة، التي ركزت على الحوار، أعطت انطباعاً خاطئاً شجّع بيروت على المراوغة والتأجيل في ملفات حساسة.


المفاجأة، بحسب مصادر سياسية لبنانية، أن برّاك كان قد أعطى إشارات مغايرة تماماً قبل أسابيع، متحدثاً عن أهمية اتباع أسلوب الخطوة مقابل خطوة، وأنه تعهّد أمام مسؤولين لبنانيين بالسعي للحصول على تنازلات إسرائيلية محدودة، قبل أن ينقلب على هذا الطرح بشكل كامل. هذا التغيير المفاجئ في اللهجة فسّره البعض على أنه محاولة من المبعوث لتدارك الانتقادات التي واجهها في واشنطن، وإظهار التزامه بخط الإدارة في دعم إسرائيل وتبرير سياساتها التصعيدية.


في موازاة ذلك، كشفت أوساط مطّلعة أن رسائل وصلت إلى بيروت في وقت سابق حملت تطمينات بأن إسرائيل لا تضع الملف اللبناني على رأس أولوياتها حالياً، وأن تركيزها ينصبّ على غزة والضفة الغربية وسوريا واليمن. وقد أوحى هذا الكلام بأن لبنان دخل في فترة هدوء نسبي، وهو ما شجّع السلطة على اعتبار أن مرحلة الخطر قد تراجعت. لكن تصريحات برّاك الأخيرة نسفت هذا الانطباع وأعادت المخاوف من احتمال تنفيذ إسرائيل ضربات عسكرية بذريعة غياب التزام لبناني صارم ببنود وقف إطلاق النار.


ردود لبنانية متباينة
رئيس مجلس النواب نبيه بري كان أول من علّق بلهجة حادة على تصريحات المبعوث الأميركي، مؤكداً أن الجيش اللبناني «ليس حرس حدود لإسرائيل»، وأن سلاحه مكرّس لحماية الدولة والشعب، لا ليكون أداة لفتنة داخلية أو وسيلة لإرضاء المصالح الإسرائيلية. وطالب بري بموقف رسمي لبناني واضح وموحد، مشدداً على ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها تجاه مواطنيها، ولا سيما لجهة التعويض على المتضررين من الأحداث الأخيرة.


من جهته، سارع رئيس الحكومة نواف سلام إلى التعبير عن استغرابه لما صدر عن برّاك، معتبراً أن كلامه يشكك في جدية الحكومة ودور الجيش. وأكد سلام أن حكومته ملتزمة بالبيان الوزاري بالكامل، بما في ذلك الإصلاحات المقررة، وبسط سلطة الدولة على أراضيها وحصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية، لافتاً إلى أن الجيش وضع خطة واضحة لهذه الغاية وقد نالت موافقة مجلس الوزراء.


أما رئيس الجمهورية جوزيف عون، فقد شدد خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، على ضرورة أن تضطلع واشنطن بدور أكثر فاعلية في كبح التصعيد الإسرائيلي، مطالباً بوقف الخروقات المتكررة للسيادة اللبنانية واحترام اتفاق وقف إطلاق النار.


قلق متزايد وغموض في المرحلة المقبلة
ورغم حدّة اللهجة الأميركية، سرّب مقربون من برّاك أنه عبّر في مجالسه الخاصة عن قلق بالغ من احتمال تجدد الحرب الإسرائيلية على لبنان، وأن تصريحاته العلنية جاءت لتأكيد أنه ينفذ تعليمات إدارته ولا يعمل بشكل مستقل. وأشار هؤلاء إلى أنه أراد إيصال رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين بأن إسرائيل جادّة في توجهها، وأن الدولة اللبنانية قد تدفع الثمن في حال فشلها في ضبط الأوضاع.


هذا التناقض بين المواقف العلنية والرسائل المبطّنة يترك الساحة اللبنانية أمام أسئلة مفتوحة: هل يشكّل كلام برّاك مقدمة لتصعيد ميداني في الجنوب؟ أم أنه مجرد ضغط سياسي لإجبار بيروت على خطوات إضافية في ملف السلاح؟ وبين الاحتمالين، يظل الهاجس الأكبر في لبنان هو أن يتحوّل الخلاف الكلامي إلى مواجهة عسكرية جديدة، في وقت يحتاج فيه البلد أكثر من أي وقت مضى إلى الاستقرار.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 3