بارزاني بين المالكي والسوداني: من يحسم خريطة التحالفات المقبلة؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.23 - 08:46
Facebook Share
طباعة

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر المقبل، تبدو الساحة العراقية أمام واحدة من أعقد المراحل السياسية منذ عام 2003. الانقسامات داخل المكونات الثلاثة الكبرى ــ الشيعية والسنية والكردية ــ تعيد رسم مشهد جديد تتداخل فيه الطموحات الشخصية مع الحسابات الإقليمية والدولية. وفي قلب هذه التفاعلات يطفو على السطح مشروع غير مكتمل يسمى بـ«تحالف الأقوياء»، يُطرح كاحتمال واقعي لكنه ما زال هشاً، هدفه الأساسي قطع الطريق على ولاية ثانية لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

الانقسام داخل الإطار الشيعي:

رغم أن «الإطار التنسيقي» يقود الحكومة الحالية، فإن الخلافات العميقة بين قياداته تحولت إلى عائق يهدد تماسكه. الصراع الأبرز يتمثل بين نوري المالكي، زعيم ائتلاف «دولة القانون»، وبين السوداني الذي جاء بدعم أطراف من الإطار نفسه. المالكي يسعى لاستعادة نفوذه، بينما يحاول السوداني تثبيت موقعه وتعزيز صورته كرجل دولة قادر على إدارة المرحلة. هذه الانقسامات توفر فرصة لقوى سنية وكردية لاقتناص مكاسب إضافية عبر الدخول في تحالفات جديدة.

مثنى السامرائي: محرك سني للتحالف الجديد

من أبرز الوجوه الساعية لتشكيل «تحالف الأقوياء» هو مثنى السامرائي، زعيم تحالف «العزم». دوافعه لا تنفصل عن صراع داخلي داخل البيت السني، حيث يسعى لتقليص نفوذ محمد الحلبوسي وتكريس نفسه ممثلاً أول للمكون السني. بالنسبة للسامرائي، فإن التحالف مع المالكي أو قيس الخزعلي، ومع الحزب الديمقراطي الكردستاني، يوفر له فرصة لتوسيع قاعدة نفوذه وتثبيت موقعه داخل أي حكومة قادمة.

الكرد بين بارزاني والسوداني: الحسابات المعقدة

الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، يقف في موقع متردد.
من جهة، يمثل التحالف مع المالكي والكتل الشيعية وسيلة للضغط على بغداد في ملفات عالقة، أبرزها النفط ورواتب موظفي الإقليم ومن جهة أخرى، يراهن السوداني على استمالة الحزب عبر حلول مالية، مثل صرف الرواتب أو إيجاد تسوية لملف الطاقة، لضمان دعمه في المستقبل.
هذا التوازن يجعل قرار بارزاني حاسماً في رسم مسار التحالفات المقبلة، لكنه أيضاً يجعل أي تحالف محتمل هشّاً وقابلاً للانهيار إذا لم تُعالج الملفات الخلافية.

قيس الخزعلي: بين حسابات الداخل وتحالفات الخارج

قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق»، يجد نفسه في موقف متردد فهو لا يمانع دعم تحالف جديد يضعف السوداني، لكنه في الوقت ذاته يحافظ على قنوات مفتوحة مع أطراف متعددة، خصوصاً السامرائي. تفضيله لعلاقته مع السامرائي على حساب الحلبوسي قد يمنحه مساحة أوسع للتحرك داخل البيت السني، ما يجعله لاعباً محورياً في أي خريطة مستقبلية.

دوافع تحالف الأقوياء:

التحالف الافتراضي، إن تشكل، سيجمعه هدف واحد: منع السوداني من ولاية ثانية. المالكي يريد العودة إلى الواجهة أو على الأقل ضمان دور رئيسي في اختيار رئيس الحكومة المقبلة، السامرائي يسعى لتكريس زعامته السنية، وبارزاني يضع مصالح الإقليم كأولوية مطلقة. ورغم تباين الأهداف، فإن نقطة الالتقاء الوحيدة بينهم هي الرغبة في تحجيم السوداني سياسياً.

الملفات الكردية: مفتاح التحالفات

الأكراد يضعون جملة من الشروط قبل الدخول في أي تحالف جاد، أبرزها:

حسم ملف النفط والطاقة وضمان حصة الإقليم.

صرف رواتب موظفي كردستان دون تأخير.

تثبيت النظام الفيدرالي واحترام صلاحيات الإقليم.

التزام بغداد بالاتفاقات الموقعة، وهي نقطة حساسة نتيجة تجارب سابقة مع قوى شيعية لم تُنفذ فيها الوعود.


هذه الملفات تجعل الحزب الديمقراطي حذراً، إذ يدرك أن أي تحالف غير مضمون التنفيذ قد يضعف موقفه أمام جمهوره الكردي.

تجربة إدارة الدولة:

الذاكرة السياسية العراقية القريبة تشير إلى تجربة تحالف «إدارة الدولة» الذي أفرز الحكومة الحالية. هذا التحالف ضم قوى متناقضة المصالح لكنه نجح مرحلياً في التوافق على السوداني رئيساً للوزراء. إلا أن الواقع الحالي يُظهر أن التحالفات في العراق غالباً ما تكون مؤقتة، مرتبطة بلحظة انتخابية أكثر من كونها شراكات استراتيجية طويلة الأمد. ومن هنا، فإن تكرار سيناريو مشابه يظل مرجحاً حتى لو تغيرت الأسماء أو الاصطفافات.

المشهد الانتخابي الغامض:

أقل من شهرين تفصل العراق عن الانتخابات، ومع ذلك لم تتضح صورة التحالفات النهائية. الاجتماعات السرية والمفاوضات الجانبية تكثفت في بغداد وأربيل، لكن لا توجد اتفاقات رسمية معلنة.
هذا الغموض يعكس هشاشة المشهد السياسي، ويجعل أي سيناريو ممكناً: إما ولادة «تحالف الأقوياء»، أو عودة الإطار التنسيقي لتصدر المشهد، أو حتى تكرار تحالف عابر للمكونات على غرار التجارب السابقة.

تأثير العوامل الخارجية:

التحالفات العراقية لا تُصاغ بمعزل عن تأثيرات خارجية. إيران تظل لاعباً مؤثراً داخل البيت الشيعي، فيما تتابع تركيا باهتمام موقف الأكراد وموقعهم من ملفات الأمن والطاقة.
كما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يراقبان مسار الانتخابات والتحالفات باعتبارها اختباراً لاستقرار العراق، هذه العوامل قد تعزز أو تعرقل أي تحالف ناشئ، خصوصاً إذا ما تعارضت مصالح القوى الخارجية مع الترتيبات الداخلية.

السوداني بين الولاية الثانية والعقبات:

محمد شياع السوداني يتحرك في مسارين متوازيين: الأول داخلي، يسعى من خلاله لإقناع القوى الكردية والسنية بجدوى استمراره، عبر تقديم حلول اقتصادية ومالية. والثاني خارجي، حيث يحاول تعزيز صورته كرجل دولة قادر على تحقيق التوازن بين القوى الإقليمية والدولية.
لكن العقبة الكبرى أمامه تظل في بيته الشيعي، حيث يعمل المالكي والخزعلي على منع تجديد ولايته.

احتمالات ما بعد الانتخابات:

السيناريوهات المطروحة لما بعد الانتخابات تتراوح بين:

1. تشكيل «تحالف الأقوياء» بنسخته المفترضة، وهو سيناريو يعتمد على قرار بارزاني بشكل أساسي.

2. عودة تجربة «إدارة الدولة» مع تغييرات طفيفة في الأوزان والأسماء.

3. إعادة تموضع داخل الإطار الشيعي، بحيث ينجح السوداني في الحصول على دعم جزئي يكفي لإعادة تكليفه.


4. تحالفات ظرفية بين قوى سنية وكردية وشيعية تتفق مؤقتاً على رئيس وزراء توافقي، دون التزام بعيد المدى.

يرى مراقبون أن العراق يتجه نحو انتخابات مشبعة بالتحالفات المؤقتة والمصالح المتقاطعة. «تحالف الأقوياء» قد يتحول إلى واقع إذا نجحت الأطراف في تجاوز خلافاتها، لكنه في المقابل قد يظل مجرد ورقة ضغط في بازار التفاوض. مستقبل ولاية السوداني الثانية سيتوقف على قدرة خصومه على التوحد، وعلى حسم الحزب الديمقراطي الكردستاني لموقفه، وعلى مدى استعداد القوى الشيعية الكبرى للقبول بتسوية جديدة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 10