إغلاق معبر اللنبي.. تصعيد إسرائيلي في مواجهة الاعترافات الدولية بفلسطين

2025.09.23 - 03:40
Facebook Share
طباعة

خطوة إسرائيلية مثيرة للجدل

في تطور مفاجئ يفتح باب التساؤلات حول أبعاده السياسية، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليماته بإغلاق معبر اللنبي بشكل كامل أمام حركة الأفراد والبضائع، "حتى إشعار آخر"، وفق ما أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر/أيلول 2025. هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، بعد أيام قليلة من سلسلة اعترافات دولية بدولة فلسطين من على منبر الأمم المتحدة، ما أثار جدلاً واسعًا حول ما إذا كان القرار يمثل ردًا إسرائيليًا مباشرًا على هذا المسار الدبلوماسي.

الإغلاق الفوري

قرار نتنياهو بإغلاق معبر اللنبي جاء بشكل مباغت ودون سابق إنذار، ما جعله محط تساؤلات حول أبعاده السياسية. هذا الإغلاق لم يقتصر على حركة الأفراد فقط، بل شمل أيضًا البضائع والشحنات التجارية، وهو ما يعكس تصعيدًا مزدوجًا: أمنيًا من جهة، وسياسيًا من جهة أخرى.
الخطوة جاءت بعد أيام من الهجوم المسلح الذي وقع قرب المعبر وأسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين، وهو حدث استُخدم لتبرير الإغلاق الكامل، رغم أن المعبر كان قد أعيد فتحه مؤقتًا أمام حركة المسافرين قبل القرار الجديد.
ومع غياب رد رسمي واضح من مكتب رئيس الوزراء، يبقى السؤال معلقًا: هل الهدف هو منع هجمات محتملة مستقبلًا، أم أن الإغلاق رسالة سياسية موجهة إلى المجتمع الدولي في مواجهة الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين؟


معبر اللنبي: شريان حيوي للفلسطينيين

يُعتبر معبر اللنبي — أو جسر الملك حسين كما يُعرف في الأردن — المنفذ البري الوحيد تقريبًا للفلسطينيين في الضفة الغربية نحو العالم الخارجي. وهو ليس مجرد نقطة عبور عادية، بل يمثل رئة اقتصادية وإنسانية أساسية.

الأهمية الاقتصادية: تمر عبر هذا المعبر الشحنات التجارية والمواد الغذائية والأدوية، بما يجعل اقتصادات الضفة الغربية مرتبطة بشكل شبه كامل بمدى انسيابية الحركة فيه. أي إغلاق طويل الأمد يعني شللًا اقتصاديًا شبه كامل، وزيادة حادة في الأسعار، ونقصًا في المواد الحيوية.

الأهمية الإنسانية: مئات آلاف الفلسطينيين يعتمدون عليه للسفر للعلاج، أو الالتحاق بالجامعات، أو زيارة أقاربهم في الخارج. إغلاقه المفاجئ يضع مئات الحالات الإنسانية في مواجهة مصير معلق، ويجعل حرية التنقل نفسها أداة مساومة سياسية.

التحكم الإسرائيلي: ورغم أن تشغيل المعبر يتم بالتنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، فإن القرار النهائي بشأن فتحه أو إغلاقه يظل بيد إسرائيل. وهذا الواقع يجعل المعبر ورقة ضغط استراتيجية تُستخدم بانتظام إما في سياق العقاب الجماعي، أو كأداة ابتزاز تفاوضي في الملفات السياسية والأمنية.

 

عقاب جماعي أم ورقة تفاوضية؟

القرار الأخير بإغلاق معبر اللنبي لا يمكن قراءته بمعزل عن التطورات السياسية والدبلوماسية الأخيرة.

رد على الاعترافات: توقيت القرار، الذي جاء بعد اعتراف فرنسا وعدد من الدول الأوروبية والأميركية اللاتينية بدولة فلسطين، يعزز الانطباع بأن إسرائيل تتحرك للرد على ما تعتبره محاولة لتقويض موقفها الدولي. فهي ترسل إشارة بأن أي خطوات دولية مؤيدة للفلسطينيين ستقابل بإجراءات عقابية على الأرض.

ضغط على الفلسطينيين: الإغلاق يوجّه رسالة مباشرة للفلسطينيين، مفادها أن أي مكاسب دبلوماسية لن تترجم إلى تحسن في حياتهم اليومية، بل قد تزيد من معاناتهم. هذه السياسة تتسق مع نهج إسرائيلي قديم يقوم على استخدام الأزمات المعيشية كوسيلة ضغط لثني الفلسطينيين عن خياراتهم السياسية.

ورقة تفاوضية: مع اقتراب لقاء نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، يمكن النظر إلى الإغلاق كخطوة تفاوضية مسبقة، تهدف إلى إظهار أن إسرائيل تتحكم فعليًا بالمعابر والحركة، وأن أي تنازلات مستقبلية ستكون بشروطها وحدها. التسريبات عن نية نتنياهو ضم أجزاء من الضفة تضيف بعدًا استراتيجيًا لهذه القراءة.

البعد الأمني: رغم استخدام الهجوم الأخير قرب المعبر ذريعة لتبرير الإغلاق، فإن السياق الأوسع يكشف أن الاعتبارات الأمنية ليست سوى غطاء لتحرك سياسي منظم. فإسرائيل غالبًا ما توظف الأحداث الأمنية لتبرير إجراءات تتجاوز بكثير نطاق الحدث نفسه.

 

القرار الإسرائيلي ستكون له تداعيات متعددة، تتجاوز الأثر المباشر على حركة المسافرين.

إنسانية: مئات الفلسطينيين عالقون بالفعل على جانبي المعبر، بينهم مرضى يحتاجون للعلاج العاجل وطلاب يسعون للالتحاق بمؤسساتهم الأكاديمية. استمرار الإغلاق يعني أزمة إنسانية مركبة تُضاف إلى الوضع المتدهور أصلًا في غزة والضفة.

اقتصادية: توقف إدخال البضائع سيؤدي إلى خسائر كبيرة للتجار والمزارعين، ويهدد بانكماش اقتصادي جديد. كما ستشهد الأسواق المحلية ارتفاعًا في الأسعار ونقصًا في المواد الأساسية، ما يضاعف الضغوط على الأسر الفلسطينية.

دبلوماسية: من المتوقع أن يثير القرار غضبًا أردنيًا، إذ يعد الأردن شريكًا مباشرًا في إدارة المعبر، ويرى فيه بوابته الشرقية نحو فلسطين. وقد تزداد الضغوط على إسرائيل في المحافل الدولية، خصوصًا مع تنامي التعاطف الدبلوماسي مع فلسطين.

تصعيد سياسي: على المستوى الأوسع، قد يُفهم الإغلاق كجزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى قطع أوصال الدولة الفلسطينية المستقبلية، وتحويل أي كيان فلسطيني محتمل إلى جزر معزولة. هذا السيناريو يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد، سواء عبر احتجاجات شعبية أو توترات أمنية على الأرض.

 

ما وراء البوابة المغلقة

إغلاق معبر اللنبي ليس مجرد إجراء أمني عابر، بل يمثل انعكاسًا لتوتر عميق بين إسرائيل والمجتمع الدولي في أعقاب موجة الاعترافات بدولة فلسطين. وبينما تصر إسرائيل على فرض وقائع ميدانية تُقيّد الفلسطينيين، يبدو أن العالم يتجه بخطوات متسارعة نحو تعزيز مكانة فلسطين دبلوماسيًا. وفي هذا التناقض، يظل الفلسطينيون هم الطرف الأكثر تضررًا، بين قرارات تعزلهم جغرافيًا واعترافات تمنحهم شرعية سياسية لم تتحول بعد إلى واقع ملموس.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 2