أولويات واشنطن المتغيرة وتأثيرها على قسد
تشهد المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا تحولات كبيرة بعد تراجع الدعم الأمريكي والإقليمي، ما يهدد مصالح الإدارة الذاتية ويضعها أمام تحديات جديدة على الساحة المحلية والدولية.
منذ منتصف أيلول الجاري، ظهرت مؤشرات واضحة على تغيير أولويات الولايات المتحدة تجاه الملف السوري، خاصة بعد أزمة السويداء. فقد رعى المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك، خارطة طريق تضمنت مشاركة الأردن كدولة ضامنة، إلى جانب الحكومة السورية، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية، دون الإشارة إلى الهيكل الإداري والعسكري الذي تشكّل في المحافظة بعد المواجهات التي شهدتها في تموز الماضي.
ترافق ذلك مع استضافة واشنطن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وإجراء تغييرات في طاقم الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في متابعة الملف السوري، وهو ما أُعتبر مؤشرًا على استياء واشنطن من قسد وتعاطيها مع مساعي دمجها ضمن الدولة السورية. هذا الموقف أثار انتقادات من قيادات كردية، أبرزها ألدار خليل، الذي وصف براك بأنه قليل الخبرة وأن أسلوبه لا يسهم في حل المشكلات القائمة.
تغير أولويات الولايات المتحدة يعود جزئيًا إلى تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي دفعت واشنطن وحلفاءها الأوروبيين إلى إعادة تقييم سياساتهم تجاه تركيا ودعم قسد، مع إبراز أهمية خفض النفوذ الإيراني في المنطقة. كما ركزت الإدارة الأمريكية على تعزيز دور تركيا والسعودية كمعادل للنفوذ الإيراني في سوريا والعراق، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على قدرة قسد على الحفاظ على استقلالية قرارها المحلي.
على الصعيد الإقليمي، تزايدت التوترات بسبب سياسات إسرائيل العدوانية، خاصة بعد استهداف وفد حركة حماس في الدوحة، ما دفع دولًا كبرى لإعادة ترتيب أولوياتها، والسعي لتخفيف التوتر مع إيران وتركيا. هذا الواقع أجبر قسد على مواجهة واقع محدودية الدعم الخارجي، وسط ضغوط للاندماج ضمن مؤسسات الدولة السورية مقابل الحفاظ على قدر من الاستقرار المالي والعسكري.
ورغم التراجع الملحوظ في الدعم، لم يلغِ ذلك دور قسد، لكنها تجد نفسها اليوم أمام ضرورة التكيف مع تحولات الإقليم وأولويات القوى الكبرى، بما يشمل الحفاظ على مكتسباتها المحلية، وضمان استمرار الدعم المالي والأمني، مع إدراك محدودية قدرتها على المناورة في مواجهة سياسات دمشق وأنقرة المتغيرة.
