بعد أكثر من عام على زيارته الأخيرة لمحافظة عكار، عاد بهاء رفيق الحريري إليها مجدداً، لكن هذه المرة ليس للإقامة بين الأهالي كما فعل سابقاً، بل لحسم خياره في دخول المعترك السياسي بشكل مباشر. فقد أعلن عن اتفاق سياسي مع النائب السابق طارق المرعبي، عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل ونجل الوزير والنائب السابق طلال المرعبي، بهدف "خدمة أبناء عكار"، كما قال.
هذا الاتفاق أثار استياء القاعدة الشعبية لتيار المستقبل، التي رأت فيه "طعنة" للرئيس سعد الحريري، خصوصاً أن طارق المرعبي كان قد صعد في التيار منذ عام 2016 حين عيّنه سعد عضواً في المكتب السياسي، قبل أن ينضمّ إلى كتلته النيابية عام 2018 ممثلاً عن المراعبة. ومع تعليق سعد الحريري نشاطه السياسي، واصل المرعبي الابن حضوره في الفعاليات والمناسبات، كان آخرها ظهوره إلى جانب النائبة السابقة بهية الحريري في لقاء حزيران الماضي، وكذلك مرافقته الأمين العام للتيار أحمد الحريري في جولاته الشمالية.
وبينما تردّد المرعبي بدايةً في إعلان الانشقاق عن سعد والانضمام إلى شقيقه بهاء، حسم أمره بعد تثبيت أسماء اللائحة الأولى في عكار: النائب محمد سليمان، المهندس أحمد حدارة، ورجل الأعمال سرحان بركات. إذ لم يرغب في تكرار تجربة انتخابات 2022 حين بقي خارج المشهد بعد أن حجزت اللائحة الأولى المقاعد، ما دفعه إلى التراجع عن الترشّح، بينما خاض والده الانتخابات على لائحة "القوات اللبنانية" وحصد نحو ثلاثة آلاف صوت.
لكن إعلان التحالف لم يمرّ بهدوء. فقد سارعت "الجامعة المرعبية" برئاسة رجل الأعمال غسان المرعبي إلى التوضيح بأن "اتفاق التعاون الموقع بين بهاء الحريري وكل من طلال وطارق المرعبي، وما يُنقل عن تحالف مع الجامعة المرعبية، لا يعنينا على الإطلاق". هذا الموقف عكس بوضوح حجم الانقسام داخل العائلة، وأظهر أن التحالف الجديد لا يعني بالضرورة المراعبة ككتلة واحدة.
بهاء الحريري، من جهته، حاول أن يظهر بصورة "المنقذ"، مقدّماً نفسه كحامل مشروع للإنماء وتوفير فرص العمل، مستميلًا مشايخ عكار عبر وعود بإنشاء مشاريع لصندوق الزكاة. كما تحدّث من دار الفتوى عن "مساعٍ دولية وإقليمية" بذلها لتهدئة الأجواء اللبنانية، وعن "دور" لعبه في ملف سلاح حزب الله. بدا واثقاً وهو يقول: "التغيير سيحصل في لبنان، وإلا فالآتي أعظم"، رابطاً بين أي تحول داخلي وما وصفه بـ"التغيير الجذري في سوريا" وانعكاساته، معتبراً أن العراق سيعود إلى "أمته"، ما يمهّد برأيه لشرق أوسط جديد.
الحريري لم يتردد في انتقاد شقيقه سعد من دون أن يسمّيه، وخصوصاً في ما يتعلق بإنشاء المنسّقيات والمكتب السياسي، معتبراً إياها "بدعة" لم يعرفها رفيق الحريري، ومشدداً على أن "أهل المنطقة هم من يتفقون، ولا يمكن أن يُفرض عليهم أي شخص". وردّد أكثر من مرة عبارة: "ما كان عليه رفيق نحن عليه".
وبهذا الخطاب، قدّم بهاء الحريري المرعبي كمرشح توافقي محتمل في عكار، على الرغم من الانقسام الواضح على الساحة السنية هناك. فغياب سعد الحريري ترك الساحة بلا "ضابط إيقاع"، فيما تبقى المنافسة على المقاعد السنية محصورة بين نواب حاليين ومرشحين جدد مدعومين بقدرات مالية كبيرة ورعاية سعودية مباشرة، ما يجعل مهمة التحالف الجديد محفوفة بالتحديات والانقسامات الداخلية.