في ظل تصاعد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي امتد لأكثر من عامين، يبرز تحرك غير مسبوق في قلب المجتمع المدني الإسرائيلي والعربي، حيث أطلق تحالف مكوَّن من أكثر من 60 منظمة، حملة واسعة تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتماد حل الدولتين كطريق لإنهاء الحرب. المبادرة، الأكبر من نوعها في إسرائيل، تأتي في وقت تتفاقم فيه المعاناة الإنسانية ويظل الرهائن الفلسطينيون والإسرائيليون عالقين في نزاع بلا نهاية، بينما تتزايد الضغوط الدولية لإيجاد حل عادل ومستدام.
ولادة التحالف وأهدافه
شهد أمس الأحد انطلاق حملة تحالف "حان الوقت"، أكبر مبادرة سلام إسرائيلية-عربية، لدعم حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية. التحالف يسعى لإحداث ضغط شعبي ودبلوماسي على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحرب مع حماس، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين، وخلق أفق جديد للسلام عبر الوسائل المدنية والمجتمعية.
الرسائل الإعلامية واستراتيجية الحملة
ارتكزت الحملة على مقطع فيديو قصير مدته دقيقتان، جمع ناشطين من مختلف المنظمات، يشاركون فيه آمالهم وطموحاتهم للسلام، مطالبين الحكومة الإسرائيلية بتطبيق قرار الأمم المتحدة الذي يدعو لإنهاء الحرب فورًا. وقد أكدوا أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مكافأة لحماس، بل خطوة ضرورية لحماية المدنيين وإنهاء "تضحية الجندي" و"تدمير شعب"، إضافة إلى تحرير الرهائن الثمانية والأربعين المحتجزين في غزة.
وتجمع آلاف الإسرائيليين والعرب أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس، حاملين لافتات تدعو للسلام وحل الدولتين. هذه المظاهرات لم تكن مجرد احتجاج رمزي، بل رسائل حقيقية موجهة للحكومة وللمجتمع الدولي، مفادها أن الشعب الإسرائيلي والعربي معًا يرفضان استمرار الحرب ويطالبان بالانتقال من "الموت إلى الحياة" و"الركود إلى التقدم". وتأتي هذه التحركات الشعبية لتعكس صدى الشعور الإنساني المشترك، بعيدًا عن الحسابات السياسية الرسمية، وتؤكد قدرة المجتمع المدني على التأثير في السياسة.
شهدت السنوات الأخيرة مظاهرات شعبية محدودة التأثير بسبب القيود الأمنية والسياسية، إلا أن توحيد الأصوات عبر هذا التحالف شكل حدثًا لافتًا، حيث جمع بين فئات مختلفة من المجتمع الإسرائيلي والعربي على أساس مطالب مشتركة للسلام.
ردود الفعل السياسية وتحديات التنفيذ
رغم الزخم الشعبي، تواجه المبادرة تحديات كبيرة على مستوى الحكومة الإسرائيلية، التي تعتبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية تهديدًا وجوديًا. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وُصف بأنه متمسك بخطاب "سوبر سبارتا"، مؤكّدًا رفضه لأي خطوات قد تكافئ العنف، مما يضع الحملة في مواجهة مباشرة مع السياسات الرسمية للدولة. هذه المواجهة بين صوت الشارع والقرارات الحكومية تعكس صعوبة ترجمة المبادرات الشعبية إلى سياسات عملية، لكنها تفتح أيضًا الباب أمام نقاشات حيوية حول الدور المدني في صياغة السياسات الوطنية.
التحدي السياسي الإسرائيلي يتداخل مع الحساسيات الأمنية والوجودية، حيث ترى الحكومة أن أي خطوة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية تتطلب ضمانات أمنية صارمة، وهو ما يمثل عائقًا أمام أي توافق داخلي أو خارجي.
آفاق المستقبل ودور المبادرة الدولية
يرى ناشطو التحالف أن قرار الأمم المتحدة المقترح يمثل "فرصة تاريخية" لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مستقبل أكثر أمانًا وحرية للشعبين. المبادرة تفتح المجال لتطبيق حل الدولتين على أرض الواقع، وتضع أسسًا للاستقرار السياسي والإنساني في المنطقة، بما يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية، ويضمن حماية المدنيين، ويقدّم خارطة طريق للسلام المستدام. في الوقت نفسه، تلعب المبادرة دورًا تكميليًا للعمل الدولي، موضحة أن الحلول المحلية والمبادرات الشعبية قادرة على دفع عملية السلام في اتجاه ملموس.
التحالف يعكس استراتيجية متكاملة بين الضغط المحلي والدولي، حيث يصبح صوت المدنيين أداة دبلوماسية فعالة، وتطرح المبادرة نموذجًا يمكن أن يُستنسخ في نزاعات أخرى حول العالم.