بينما تواصل إسرائيل حربها في غزة وترفض الاعتراف بأي كيان فلسطيني، يفرض المشهد الدبلوماسي الدولي واقعاً جديداً: اعتراف متنامٍ بفلسطين داخل معسكر حلفاء تل أبيب أنفسهم. ما يجعل المرحلة المقبلة مرشحة لصدام سياسي ودبلوماسي أكبر، يوازي مأساة إنسانية مستمرة على أرض غزة.
لم تعد الاعترافات بدولة فلسطين حكراً على دول الجنوب العالمي أو الكتلة الآسيوية والأفريقية، بل تحولت في الأشهر الأخيرة إلى ظاهرة سياسية داخل المعسكر الغربي نفسه. ففي "خطوة تاريخية"، أعلنت بلجيكا اليوم الاثنين اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتنضم إلى بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال التي اتخذت القرار ذاته أمس، في تحول غير مسبوق يربك إسرائيل ويضعف جدار الدعم التقليدي الذي طالما وفّرته لها حلفاؤها الغربيون.
تحول في قلب أوروبا والغرب
وصف المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور هذه الاعترافات بأنها "لحظات تاريخية"، مؤكداً أن مسار الأحداث يعكس تغيراً عميقاً في السياسات الدولية تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وبذلك يرتفع عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 147 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، وهو رقم مرشح للزيادة مع القمة التي تعقدها السعودية وفرنسا على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك.
رفض إسرائيلي وصدام سياسي
الخطوة فجّرت غضب تل أبيب، إذ سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إعلان رفضه القاطع قائلاً: "لن تكون هناك دولة فلسطينية". وهدد بخوض مواجهة سياسية في الأمم المتحدة ضد هذه "الموجة الغربية"، معتبراً أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل "خطراً وجودياً على إسرائيل".
الولايات المتحدة على الخط
الإدارة الأميركية قللت من أهمية الاعترافات، ووصفتها بأنها "استعراضية"، مؤكدة أن أولويتها تظل "الدبلوماسية الجادة وحماية أمن إسرائيل". لكن الموقف الأميركي بدا معزولاً أمام المشهد الدولي، حيث تتسع دائرة الدول الأوروبية والغربية التي اختارت الانضمام إلى ركب الاعتراف.
مسار الاعتراف بفلسطين
إعلان منظمة التحرير الفلسطينية قيام الدولة الفلسطينية عام 1988 فتح الباب أمام موجة اعتراف واسعة من دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ومنذ ذلك الحين، ظلت معظم دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا متمسكة بعدم الاعتراف رسمياً.
لكن منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، شهد الموقف الدولي تحوّلاً نوعياً:
إسبانيا، أيرلندا، النرويج، سلوفينيا كانت من أوائل الدول الأوروبية الغربية التي كسرت المحظور واعترفت رسمياً في مايو 2024.
بريطانيا، كندا، أستراليا، البرتغال لحقت بها أمس الأحد، في سابقة غير معهودة لدول حليفة تقليدياً لإسرائيل.
بلجيكا أكدت اليوم قرارها بالاعتراف، لتصبح أحدث المنضمين إلى الموجة، وسط توقعات بأن تنضم دول أوروبية أخرى قريباً، مع تنامي الضغوط الداخلية والرأي العام.
وبذلك، يتضح أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يعد مجرد خطوات رمزية من دول الجنوب، بل تحولت إلى مسار غربي جماعي يعيد رسم حدود الموقف الدولي من القضية الفلسطينية.