تشكّلات سياسية جديدة تعيد رسم مشهد المعارضة في سوريا

2025.09.21 - 02:20
Facebook Share
طباعة

 تشهد الساحة السورية منذ أشهر بروز تكتلات وحركات سياسية جديدة، تقدّم نفسها كبدائل عن الأحزاب التقليدية التي تراجعت مكانتها خلال السنوات الماضية. ويأتي ظهور هذه المبادرات في سياق تحولات سياسية واجتماعية عميقة أعقبت أحداث دامية شهدتها عدة مناطق، مثل الساحل في آذار الماضي والسويداء في تموز، وما تركته من أثر على البنية الداخلية للبلاد.


هذه الكيانات، التي ينشط معظمها من خارج سوريا، تحمل في طياتها رؤى متباينة، بعضها مناطقي أو مذهبي الطابع، وبعضها الآخر يطرح نفسه كإطار وطني جامع. ورغم اختلافها، فإنها تشترك في محاولة استثمار الفراغ السياسي وتراجع ثقة الشارع بالمعارضة التقليدية، لتقديم نفسها كمشاريع سياسية بديلة.


"الكتلة الوطنية السورية"
من أبرز هذه المبادرات تشكيل ما يعرف بـ"الكتلة الوطنية السورية"، التي رفعت شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وطرحت في بياناتها فكرة قيام دولة المواطنة الكاملة والمتساوية، وتشكيل جيش وطني، إلى جانب الدعوة إلى حكومة شعبية ومجلس تأسيسي يضع دستوراً جديداً للبلاد. كما تركز "الكتلة" على اللامركزية باعتبارها خياراً يحقق توازناً بين السلطات والمجتمعات المحلية.


"مجلس وسط وغرب سوريا"
في المقابل، ظهر "المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا" مستنداً إلى أحداث الساحل الأخيرة. ورغم طابعه المذهبي المرتبط بالطائفة العلوية، فإنه أعلن انفتاحه على مكونات أخرى. ويطرح المجلس خيار "الفيدرالية" بديلاً عن الحرب، معتبراً أن إدارة المناطق بخصوصياتها المحلية قد تكون مخرجاً عملياً من الأزمات المستمرة.


"المجلس العسكري الانتقالي"
على الصعيد العسكري-السياسي، عاد طرح "المجلس العسكري الانتقالي" إلى الواجهة. هذه الفكرة، التي يدعمها بعض الضباط المنشقين، تقوم على دمج القوى المسلحة في إطار واحد لبناء جيش وطني علماني قادر على ضبط المرحلة الانتقالية. ويرى أصحاب هذا الطرح أن المؤسسة العسكرية وحدها قادرة على إدارة التوازنات في ظل فوضى السلاح وتعدد الفصائل.


دوافع وتحديات
ظهور هذه المبادرات يرتبط بجملة عوامل، أبرزها انسداد المسارات الدولية التفاوضية مثل "جنيف" و"أستانة"، وانهيار الأطر التقليدية للمعارضة التي فقدت الكثير من صدقيتها. كما يعكس محاولة لملء فراغ سياسي واجتماعي متنامٍ، في ظل شعور متزايد بأن الحلول المركزية لم تعد قادرة على تلبية متطلبات الواقع السوري المعقد.


ومع ذلك، ما تزال هذه التشكيلات في طور التأسيس، تفتقر إلى قاعدة جماهيرية واضحة أو هياكل تنظيمية متينة. كما أن قدرتها على التأثير تصطدم بواقع أمني وعسكري شديد التعقيد، يجعل أي خطاب سياسي بحاجة إلى غطاء عملي على الأرض.


بين الفرصة والمحدودية
يعتبر مراقبون أن هذه المبادرات تمثل تعبيراً عن حاجة ملحة لإعادة تعريف المشروع الوطني السوري، بعيداً عن التجارب السابقة التي أثبتت محدوديتها. إلا أن نجاحها مرهون بقدرتها على بناء تحالفات محلية، والحصول على شرعية داخلية حقيقية، وتطوير أدوات تمويل وتنظيم مستقلة.


وفي الوقت ذاته، يواجه بعضها اتهامات بمحاولة استغلال اللحظة السياسية لتحقيق مكاسب آنية، أو بالدفع نحو خيارات انفصالية تتعارض مع القوانين السورية. الأمر الذي يضعها بين احتمال أن تصبح جزءاً من أي عملية انتقالية مستقبلية، أو أن تبقى مجرد مبادرات إعلامية تفتقر إلى الوزن الشعبي والسياسي.


وبين هذه التوجهات المتباينة، يبقى المشهد السياسي السوري في حالة مخاض، مع غياب وضوح حول قدرة هذه الكيانات الجديدة على تجاوز محدوديتها لتتحول إلى قوة سياسية فاعلة قادرة على المساهمة في صياغة مستقبل البلاد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9