تصعيد أميركي يغيّر خريطة النفوذ في أمريكا اللاتينية

2025.09.20 - 07:48
Facebook Share
طباعة

 نشرت مجلة Foreign Affairs مقالة للأستاذ حسين كالوت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برازيليا، حول الأزمة الدبلوماسية والتجارية بين الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب والبرازيل بقيادة الرئيس لولا داسيلفا، وكيف تحوّلت العلاقات البرازيلية الصينية إلى عامل مركزي في الاقتصاد والسياسة الخارجية للبرازيل.

يطرح المقال سؤالاً محوريًا: هل تهدف الرسوم الجمركية والعقوبات الأميركية إلى إجبار البرازيل على تقديم تنازلات تجارية، أم إلى التأثير في السياسة الداخلية لصالح المعارضة؟

في أبريل/نيسان الماضي، فرض ترامب رسومًا بنسبة 10% على صادرات البرازيل، متجنِّبًا الرسوم الأكثر قسوة التي طالت حلفاء آخرين. لكن في يوليو/تموز، أعلنت واشنطن فرض رسوم بنسبة 50% على الصادرات البرازيلية، ما أثار مخاوف من اندلاع حرب تجارية واعتُبر وسيلة ضغط للتأثير على السياسة الداخلية للبرازيل، خصوصًا على حكومة لولا داسيلفا.

البيت الأبيض ربط هذه الإجراءات بالاتهامات الموجهة للرئيس السابق جايير بولسونارو، معتبرًا أن انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها تمثل تهديدًا لسيادة القانون في البرازيل، وهو ما أفضى إلى إلغاء تأشيرات 8 من أصل 11 قاضياً في المحكمة الفيدرالية العليا وفرض عقوبات بموجب "قانون ماغنيتسكي العالمي". وقد اعتبرت الحكومة البرازيلية هذه الإجراءات انتهاكًا سيادياً ومحاولة لتقويض موقف الرئيس الحالي قبل الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2026.

إجراءات ترامب أثارت رد فعل عكسياً في البرازيل، إذ أظهرت استطلاعات الرأي رفض غالبية الشعب لهذه السياسات، ما عزز الدعم الداخلي للرئيس لولا وأضعف النفوذ التقليدي للتيارات المحافظة التي كانت متفقة مع واشنطن. وقد دفع هذا الواقع الحكومة البرازيلية نحو تنويع الشراكات الاقتصادية، وخاصة مع الصين، لتعزيز الأمن الاقتصادي والسياسي.

توسعت الصين في البرازيل عبر استثمارات استراتيجية تشمل الطاقة والزراعة والبنية التحتية والموانئ، إضافة إلى مشروع سكة حديدية يربط المحيط الأطلسي بالهادئ، ما يرسخ نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي ويحد من قدرة الولايات المتحدة على الهيمنة المطلقة.

علاقات البرازيل مع الولايات المتحدة تاريخياً كانت قائمة على مصالح مشتركة وثقة متبادلة، وشهدت تعاونًا مكثفًا في الأمن ومكافحة المخدرات، إضافة إلى الفائض التجاري الكبير لصالح واشنطن. إلا أن سياسات ترامب أحادية الجانب، وعقوباته الأخيرة، أضعفت الثقة التاريخية ودفعت برازيليا إلى تبني سياسة خارجية أكثر استقلالية، قائمة على مبادئ البراغماتية والانخراط المتعدد مع جميع الفاعلين العالميين، ضمن إطار الجنوب العالمي وتكتل "بريكس".

البرازيل، وفق المقال، لا تهدف إلى قطع علاقاتها مع واشنطن لكنها تسعى للحفاظ على استقلالية القرار الوطني وتجنب التبعية، ما يجعل اختياراتها محدودة بين الولايات المتحدة والصين. في الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي ضغط ترامب إلى نتائج عكسية تعزز شعبية لولا وتوطد شراكة البرازيل مع الصين، خصوصًا في القطاعات الحيوية، مما يعيد تشكيل خريطة النفوذ الإقليمي.

يبين المقال أن أي حكومة محافظة مستقبلية لن تستطيع إعادة توجيه البرازيل بشكل كامل نحو واشنطن، وأن تصعيد الرسوم الجمركية والعقوبات الأميركية قد يسرّع ميل البلاد نحو الصين، ويجعل البرازيل لاعبًا مؤثرًا في نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو التحول الذي يضع واشنطن أمام تحدٍ استراتيجي حقيقي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8