بينما تتصاعد الحرب في غزة وتزداد الكلفة الإنسانية يوماً بعد يوم، ظهرت تحذيرات من منظمات أممية وصحف عالمية تؤكد أن إسرائيل لا تكتفي بالقصف والحصار، وإنما تمارس سياسة "التهجير نحو المجهول". فالمناطق التي يُدعى إليها المدنيون تحت شعار "إنسانية" ليست سوى أراضٍ رملية قاحلة بلا مقومات للبقاء، الأمر الذي يثير أسئلة حول الأهداف الخفية لهذه الاستراتيجية.
مناطق نزوح بلا حياة:
بحسب غارديان البريطانية، وزعت القوات الإسرائيلية منشورات على سكان غزة تطلب منهم النزوح إلى الجنوب إلا أن مسؤولة في منظمة اليونيسيف أوضحت أن هذه المنطقة غير مجهزة، فهي مجرد كثبان رملية مكتظة تفتقر للبنية التحتية والخدمات الأساسية، ومع وجود مئات الآلاف من النازحين ونصفهم من الأطفال، تتحول هذه المساحات إلى معازل بائسة، ما يجعل الحديث عن "مناطق إنسانية" خدعة تخفي عملية تهجير واسعة.
منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهد القطاع موجات نزوح جماعي اعتبرتها الأمم المتحدة الأخطر منذ نكبة 1948 ومع استمرار العمليات العسكرية في مدينة غزة، يبدو أن الهدف هو تفريغها من سكانها ودفعهم إلى مناطق غير صالحة للحياة.
أزمة صنع القرار في إسرائيل:
صحيفة نيويورك تايمز تحدثت عن خلافات عميقة بين حكومة بنيامين نتنياهو وقيادات عسكرية وأمنية الخلافات تركزت على ثلاث قضايا: السيطرة على مدينة غزة، استهداف قيادات حماس في الخارج، ونهج المفاوضات لوقف الحرب. هذه القضايا تكشف فجوة بين رؤية الجيش والنهج السياسي لنتنياهو.
رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي يوهانان بليسنر وصف الوضع بأنه "عصر غريب"، حيث تتركز القرارات الجوهرية في يد شخص واحد. هذا التركيز المفرط يطرح تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية، خاصة مع استمرار الحرب وانقسام الشارع.
انقسام الصحافة العبرية:
في الداخل الإسرائيلي، عبرت الصحف عن مواقف متباينة جيروزاليم بوست شددت في افتتاحيتها على ضرورة العودة لطاولة المفاوضات باعتبارها الطريق الوحيد للإفراج عن الأسرى، مؤكدة أن الحرب تزيد الخسائر البشرية وتفاقم معاناة الإسرائيليين وحذرت من إسرائيل باتت قريبة من أن تصبح دولة منبوذة وسط موجة اتهامات بجرائم حرب ومقاطعات دولية.
أما هآرتس فقد ربطت بين استمرار الحرب ومشاريع سياسية واقتصادية أبعد من الشعار العسكري الافتتاحية تحدثت عن خطط وزيري الأمن الداخلي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يروجون لفكرة "إعادة بناء غزة" كفرصة عقارية.
واعتبرت أن تهجير أكثر من مليوني فلسطيني لمصلحة مشاريع اقتصادية يمثل جريمة واضحة، وأن صمت نتنياهو على هذه التصريحات يعكس انحداراً سياسياً وأخلاقياً.
خلفيات تاريخية ودروس مقارنة:
سياسة "المناطق الآمنة" استخدمتها إسرائيل في أوقات سابقة كوسيلة للسيطرة العسكرية لكن الوضع الحالي يختلف بسبب حجم النزوح وشدة القصف وتفاقم الأزمة الإنسانية. تلك السياسات تُذكّر بتجارب دول أخرى واجهت عزلة دولية، مثل جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري أو روسيا بعد غزو أوكرانيا. في تلك الحالات، تحولت الضغوط إلى مقاطعات واسعة النطاق عزلت الدولتين عن الساحة الرياضية والثقافية.
تداعيات دولية محتملة:
مع تزايد التحذيرات من المنظمات الأممية والصحف الغربية، قد تجد إسرائيل نفسها أمام عزلة متنامية. حتى الآن لم تُقصَ من المؤسسات الدولية الكبرى، غير أن موجة الاحتجاجات والمقاطعات تزداد قوة، ما يهدد موقعها على الساحة العالمية.
وإذا تواصلت سياسات التهجير والنزوح، فإن احتمالات التحقيق في جرائم حرب ستتضاعف، الأمر الذي قد يضعف شرعية إسرائيل دولياً ويعزز عزلتها.
أزمة شرعية داخلية وخارجية:
الحرب على غزة لم تعد مجرد مواجهة عسكرية مع حماس، وإنما تحولت إلى اختبار داخلي وخارجي لإسرائيل. داخلياً، يواجه نتنياهو انقساماً مع الجيش واحتجاجات شعبية متكررة. خارجياً، تتسع دائرة الانتقادات والاتهامات، لتشمل الحكومات والرأي العام العالمي. ومع استمرار الكارثة الإنسانية، يزداد السؤال إلحاحاً: هل تتحول سياسات "النزوح الإجباري" إلى عبء سياسي يسرع عزلة إسرائيل ويضعها على مسار مشابه لدول فقدت شرعيتها بسبب انتهاكاتها؟