لبنان بين الغارات والانتهاكات: الجنوب يواجه أخطر تصعيد منذ اتفاق وقف إطلاق النار

واليونيفيل تحذر: الغارات الإسرائيلية على لبنان تقوض السلام الهش وتخرق القرار 1701

2025.09.19 - 12:22
Facebook Share
طباعة

تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع غارات إسرائيلية جديدة استهدفت مناطق حساسة في الجنوب، ما أثار تحذيرات شديدة اللهجة من قوات الأمم المتحدة وقوات الجيش اللبناني. الغارات الأخيرة شملت بلدات ميس الجبل وكفر تبنيت ودبين وبرج قلاوي، واستهدفت بحسب تل أبيب "بنى تحتية عسكرية لحزب الله".

اليونيفيل اعتبرت هذه الهجمات "انتهاكًا واضحًا وصريحًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701"، محذرة من أن هذه الخروقات تهدد الاستقرار الهش في لبنان وتقوّض الثقة في إمكانية التوصل إلى حل سلمي للنزاع. الجيش اللبناني من جانبه حذر من أن استمرار الانتهاكات يعرقل خطة الدولة لحصر السلاح جنوب نهر الليطاني، ويجعل مهمة حماية المدنيين أكثر صعوبة.

 

تفاصيل الغارات الإسرائيلية الأخيرة وتداعياتها

خلال ليلة الخميس الماضي، تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع شن إسرائيل خمس غارات جوية مكثفة على مناطق استراتيجية في جنوب لبنان، استهدفت بحسب البيانات الرسمية مواقع عسكرية ولوجستية يُعتقد أنها تابعة لحزب الله. هذه الغارات تعكس استمرار سياسة الاستهداف الإسرائيلي للجنوب اللبناني، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024، وتهدد مباشرة جهود تثبيت الاستقرار في المنطقة.

المناطق التي شملتها الغارات تضمنت:

ميس الجبل: تقع على الطريق الرابط بين النبطية والشهابية، وهي منطقة استراتيجية تشهد حركة مستمرة للجماعات المسلحة. تضم ميس الجبل مواقع لوجستية ومخابئ يُعتقد أنها تستخدم لتخزين أسلحة وذخائر، ما يجعلها هدفًا عسكريًا حساسًا. الاستهداف الإسرائيلي لهذه المنطقة يضع المدنيين في دائرة الخطر ويثير القلق من تعرض البنية التحتية المدنية لأضرار جانبية.

كفر تبنيت ودبين: بلدات جبلية صغيرة، لكنها مهمة من الناحية العسكرية، حيث تحتوي على مواقع لوجستية تابعة لحزب الله وممرات طبيعية تستخدم لنقل الأسلحة والمواد العسكرية. الطبيعة الجغرافية للمنطقة تزيد من صعوبة التدخل المباشر للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وتفرض تحديات كبيرة في حماية المدنيين الموجودين في هذه القرى.

برج قلاوي: تعد هذه المنطقة جبلية وحساسة للغاية، وتستخدم لتخزين الذخائر والأسلحة، كما تعد واحدة من النقاط الساخنة للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. استهداف برج قلاوي يعكس رغبة إسرائيل في تقييد قدرات حزب الله العسكرية، لكنه في الوقت ذاته يرفع من مستوى التوتر ويعرض الجنود المدنيين والأمميين لمخاطر مباشرة.


نتيجة لهذه الغارات، اضطرت وحدات من اليونيفيل للانتقال إلى مواقع آمنة، خشية تعرضها لهجمات مباشرة. هذا الإجراء يوضح هشاشة الوضع على الأرض، حيث يصبح الجنود غير قادرين على أداء مهامهم كاملة، سواء في حماية المدنيين أو مراقبة التزام إسرائيل بالقرار 1701. كما أن هذا التحرك يعكس أثر الغارات على قدرة اليونيفيل على الانتشار في الجنوب ومراقبة الخط الأزرق بفعالية.

علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى خوف واسع بين السكان المحليين، الذين يعيشون في مناطق جبلية وقرى صغيرة، ما يزيد من معاناتهم الإنسانية ويجعلهم عرضة لخطر النزوح أو التعرض لإصابات غير مباشرة. وبالنظر إلى أن هذه الغارات تستهدف مواقع لوجستية وعسكرية، فإنها تخلق حالة من عدم اليقين لدى الجيش اللبناني، الذي يسعى في الوقت ذاته للحفاظ على خطة الدولة لحصر السلاح جنوب نهر الليطاني.

في النهاية، تعكس هذه الغارات مزيجًا من الاستهداف العسكري الإسرائيلي والضغط النفسي على المدنيين، وتؤكد استمرار التحديات التي تواجهها اليونيفيل والجيش اللبناني في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701. وهي مؤشر قوي على أن جنوب لبنان يظل منطقة شديدة الحساسية، معرضة لتصعيد متكرر، وأن أي تصعيد جديد قد يجر المنطقة إلى مواجهة أوسع بين القوات الإسرائيلية وحزب الله، مع تأثير مباشر على المدنيين واستقرار الدولة اللبنانية.

 


ردود فعل اليونيفيل والجيش اللبناني:

أصدرت قوة اليونيفيل بيانًا حازمًا دعت فيه إسرائيل إلى التوقف الفوري عن أي غارات إضافية والانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية. وأكدت أن الالتزام الكامل بأحكام القرار 1701 وتفاهم وقف الأعمال العدائية هو السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار.

الجيش اللبناني من جهته شدد على أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة تعرقل خطة الدولة لحصر السلاح جنوب نهر الليطاني، وتزيد من صعوبة حماية المدنيين. كما نبه إلى استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في خمس نقاط على طول الحدود، وإلى عمليات التجريف والتفجير المستمرة التي تهدد الاستقرار المحلي.

 


القرار 1701 وخروقات الواقع على الأرض

صدر قرار مجلس الأمن رقم 1701 في أعقاب حرب تموز 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وكان الهدف منه وضع حد للنزاع العسكري بين الطرفين، ووضع آليات واضحة لوقف إطلاق النار، وضمان استقرار الجنوب اللبناني. وينص القرار على ثلاثة محاور رئيسية:

1. وقف إطلاق النار فورًا بين إسرائيل وحزب الله: يشمل هذا البند إنهاء أي عمليات عسكرية هجومية أو تصعيدية على طول الحدود، بما يضمن حماية المدنيين ومنع وقوع ضحايا جدد.


2. حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية: يهدف القرار إلى تعزيز سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها، ومنع أي جماعات مسلحة من الاحتفاظ بأسلحة خارج نطاق الجيش اللبناني، بما في ذلك حزب الله.


3. تعزيز وجود الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في مناطق الجنوب، خصوصًا على طول الخط الأزرق: يتمثل الهدف في ضمان مراقبة الالتزام بالقرار، وتوفير دعم أمني للمدنيين، وخلق حالة من الاستقرار تمنع أي مواجهة عسكرية مستقبلية.

 

لكن الواقع على الأرض يكشف فجوة كبيرة بين نص القرار وتطبيقه الفعلي. فالخروقات الإسرائيلية المستمرة، من غارات جوية واستهداف للبنى التحتية التابعة لحزب الله، تؤكد أن إسرائيل لا تلتزم ببنود القرار، ما يزيد من هشاشة الاستقرار في الجنوب. كما أن استمرار وجود القوات الإسرائيلية في خمس نقاط على طول الحدود، وعمليات التجريف والتفجير المستمرة، تجعل من الصعب على الجيش اللبناني تنفيذ خطة حصر السلاح جنوب نهر الليطاني.

من جانب آخر، تُظهر الخروقات محدودية قدرة المراقبة الدولية على تطبيق القرار على الأرض، حيث تبقى قوات اليونيفيل مرهقة بين محاولاتها حماية المدنيين ومنع التصعيد العسكري، وبين مواجهتها عمليات عسكرية مباشرة تهدد حياة الجنود والمدنيين على حد سواء. هذه البيئة المتوترة تؤكد أن القرار 1701، رغم أهميته، لا يزال هشاً أمام واقع التصعيد المستمر، وأن لبنان يظل في مواجهة تهديدات مباشرة تهدد استقراره وأمنه الداخلي.

باختصار، القرار 1701 يظل المرجع القانوني الدولي الأساسي لوقف الأعمال العدائية في الجنوب، لكنه يواجه تحديات كبيرة في التطبيق، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية مع هشاشة قدرة الدولة اللبنانية والمراقبين الدوليين على فرضه، ما يجعل المدنيين والجيوسياسية المحلية عرضة لمخاطر مستمرة.

 


وفي ظل استمرار الانتهاكات، يظل الجنوب اللبناني معرضًا لتصعيد محتمل. وتبقى المبادرات الدولية، مثل جهود فرنسا والأمم المتحدة، العامل الأساسي لاحتواء المواجهة ومنع توسع دائرة النزاع.

كما أن قدرة الجيش اللبناني على فرض حصرية السلاح جنوب نهر الليطاني ستظل محدودة بدون دعم دولي فعال، بينما تظل نقاط الوجود الإسرائيلي على الحدود تهدد تطبيق الخطط اللبنانية للحفاظ على الاستقرار.


جنوب لبنان ما يزال على صفيح ساخن، والتهديدات الإسرائيلية المتكررة تعكس هشاشة الاستقرار في المنطقة. الانتهاكات تضع المدنيين والجيش والأمم المتحدة في دائرة الخطر، وتؤكد صعوبة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي على الأرض.

يبقى التحدي الأكبر للجيش اللبناني هو حماية المدنيين وتنفيذ خطة الدولة لحصر السلاح، بينما تظل اليونيفيل الضامنة المؤقتة للسلام، في ظل تهديدات مستمرة من إسرائيل. ويتطلب الوضع تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل للضغط على إسرائيل لضمان احترام القرار 1701 ومنع انزلاق المنطقة نحو مواجهة عسكرية واسعة.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5