أثارت الأجواء الداخلية للحكومة الإسرائيلية توترات جديدة بعد اتهامات وجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بشأن تسريب تفاصيل اجتماعات حكومية حساسة حول ملف زيارات موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر للسجناء المصنفين كـ"إرهابيين". هذه الاتهامات تأتي في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية لمتابعة الوضع الإنساني في قطاع غزة، وسط جدل داخلي حول التوازن بين الالتزامات الدولية واعتبارات الأمن الوطني.
سياق الاتهامات:
ذكرت القناة العبرية "كان" أن نتنياهو أبدى استياءه من تقارير إعلامية سابقة على اجتماع الحكومة، حيث كشفت مواقع مثل "Arutz Sheva" و"Israel Hayom" عن مواقف الوزراء حول المقترح، مبينة من هم المؤيدون والمعارضون للقرار. في الاجتماع نفسه، اتهم نتنياهو بن غفير مباشرة بالتسريبات، قبل أن يقرر سحب المقترح من جدول الأعمال، وإحالته لاحقًا للمناقشة ضمن "المجلس الوزاري الإنساني" الذي يضم وزراء محدودين وهم نتنياهو، بتسلئيل سموتريتش، رون ديرمر، وأريه درعي.
المقترح ومحتواه:
المقترح الذي أثار الجدل، كان قد طرحه مجلس الأمن القومي، ويهدف إلى السماح لموظفي الصليب الأحمر بزيارة السجناء المصنفين كـ"إرهابيين"، مع فرض ضوابط مشددة على الزائرين والمعلومات التي يمكنهم الاطلاع عليها. وقد تضمن المقترح نقطتين أساسيتين:
1. حظر زيارات محددة: وفق توصيات جهاز الأمن العام "الشاباك"، يُحظر على الصليب الأحمر زيارة السجناء القادمين من غزة أو المرتبطين بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، كما يمنع من الاطلاع على أي معلومات عنهم.
2. تقييد الزيارات الأخرى: السماح بزيارة السجناء الآخرين وفق ضوابط دقيقة يحددها المسؤولون الأمنيون، بما يوازن بين الالتزامات القانونية الدولية واعتبارات الأمن.
وكان الهدف المعلن للمقترح محاولة إيجاد توازن دقيق بين قرارات محكمة العدل العليا والالتزامات الدولية من جهة، وبين الحاجة إلى فرض قيود على السجناء من جهة أخرى.
رفض بن غفير للمقترح:
على الرغم من الضوابط المشددة، أعرب بن غفير عن رفضه القاطع، مؤكداً أن السماح بالإرهابيين بالاستفادة من زيارات أو امتيازات هو "خطأ جسيم يبعث برسالة ضعف للعدو"، في إشارة إلى استمرار احتجاز رهائن على يد حركة حماس في غزة. تصريحات بن غفير تعكس توجهاً داخليًا محافظًا شديد الحذر في التعامل مع هذا الملف، وتؤكد التوتر بين سياسة الأمن الداخلي والمطالب الإنسانية الدولية.
تداعيات داخلية وخارجية:
داخليًا: هذه الأزمة تكشف عن تصدع في الجبهة الداخلية للحكومة الإسرائيلية، حيث يظهر صراع واضح بين رئيس الوزراء ووزير الأمن القومي حول القرارات الحساسة المتعلقة بالأمن وحقوق السجناء.
خارجيًا: تثير التسريبات والجدل حول زيارات الصليب الأحمر تساؤلات عن التزام إسرائيل بالمعايير الدولية، خاصة مع ضغوط دولية لمراقبة أوضاع السجناء في ظل النزاع مع غزة.
يُظهر هذا الصراع كيف يمكن أن تتأثر القرارات الحكومية في إسرائيل بالتوازنات السياسية الداخلية، خاصة عند التعامل مع ملفات إنسانية ذات صلة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. كما يعكس رفض بن غفير للمقترح رؤية أمنية صارمة، تؤكد أن أي تساهل قد يُعتبر رسالة ضعف، بينما يسعى نتنياهو لموازنة الصورة الدولية مع الضغوط الداخلية.
يمكن القول إن إدارة هذا الملف تتطلب حنكة سياسية دقيقة، حيث أن أي تسريب أو إعلان مسبق عن مواقف الوزراء قد يُضعف القرارات ويؤدي إلى جدل عام يضر بمصداقية الحكومة أمام الرأي العام الدولي والمحلي.
ملف زيارات الصليب الأحمر للسجناء الإسرائيليين يظل نقطة حساسة تجمع بين اعتبارات الأمن، الضغوط الدولية، والتوازنات السياسية الداخلية. الاتهامات المتبادلة بين نتنياهو وبن غفير تسلط الضوء على هشاشة التنسيق الحكومي عند التعامل مع الملفات الإنسانية خلال أزمات مستمرة، وما إذا كانت الحكومة قادرة على الموازنة بين مطالب العدالة الداخلية والالتزامات الدولية في ظل نزاع مستمر مع غزة.