عاد الجنوب اللبناني أمس إلى أجواء الحرب والنزوح، بعدما شنت إسرائيل غارات عنيفة وموسعة استهدفت خمس بلدات، وسط تحذيرات مباشرة من الجيش الإسرائيلي للسكان بضرورة إخلاء منازلهم بذريعة وجود منشآت تابعة لـ«حزب الله». الأحداث جاءت في وقت حساس، قبيل الذكرى السنوية الأولى لمقتل أمين عام الحزب السابق حسن نصر الله، ما يزيد التوترات الأمنية والسياسية في المنطقة. في المقابل، تتصاعد الجهود الدبلوماسية لإطلاق الأسرى اللبنانيين لدى تل أبيب، حيث أبدت الحكومة القبرصية استعدادها للوساطة في هذا الملف الشائك.
شهدت بلدات جنوب لبنان، بينها دبين ومناطق مجاورة، أمس، موجة نزوح واسعة بعد توجيه الجيش الإسرائيلي إنذارات مباشرة للسكان بإخلاء منازلهم. وبحسب شهود عيان، تصاعدت أعمدة الدخان من عدة مناطق نتيجة الغارات الجوية، ما أعاد ذكريات الحرب السابقة وترك آثارًا نفسية ومادية على المدنيين.
وأكد سكان محليون أن الإنذارات الإسرائيلية تضمنت تحذيرات بأن المنازل المستهدفة تحتوي على بنى تحتية لـ«حزب الله»، الأمر الذي يرفع من حدة المخاوف لدى الأهالي ويزيد احتمالات الهجرة المؤقتة من القرى والبلدات الجنوبية.
تحضيرات «حزب الله» للذكرى السنوية لنصر الله
يستعد «حزب الله» لإحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل أمينه العام السابق حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024، وسط خشية من أي تصعيد إسرائيلي قد يصاحب الاحتفالات. وتأتي الغارات الأخيرة في إطار سلسلة من التوترات بين الطرفين، حيث يتهم الحزب إسرائيل بمحاولات لاستهداف رموزه ومراكزه العسكرية.
محللون سياسيون أكدوا أن مثل هذه التوترات تأتي في سياق استراتيجي لإظهار القدرة على الردع من قبل «حزب الله» وللتأكيد على استمرار الضغط على إسرائيل في المناطق الحدودية الجنوبية.
دعوات لبنانية ودولية للتهدئة
في هذا السياق، دعا رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام المجتمع الدولي، لا سيما الدول الراعية لاتفاق وقف العمليات العدائية، إلى ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها فوراً. وأكد سلام أن لبنان يسعى للحفاظ على استقراره وأمنه القومي، محذرًا من الانزلاق إلى مواجهة أوسع قد تؤدي إلى أزمات إنسانية كبيرة.
قبرص تدخل على خط الوساطات لإطلاق الأسرى
كشفت مصادر لبنانية مطلعة أن الحكومة القبرصية أبدت رغبتها في الوساطة للإفراج عن الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، في خطوة قد تفتح أفقًا دبلوماسيًا جديدًا لتخفيف التوترات على الحدود. وتأتي هذه المبادرة في وقت حساس، حيث تبحث بيروت عن تسوية دبلوماسية تمنع التصعيد العسكري وتضمن حقوق الأسرى اللبنانيين.
مصادر قريبة من الملف أوضحت أن الاتصالات جارية على مستوى عالٍ بين الأطراف اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية، بهدف الوصول إلى تفاهم يضمن الإفراج عن الأسرى مع الحفاظ على شروط الأمن الإقليمي.
مع استمرار الغارات والتحذيرات الإسرائيلية، يشير مراقبون إلى احتمالية ارتفاع أعداد النازحين من جنوب لبنان، خاصة من المناطق القريبة من الحدود. وتواجه الأسر المحلية تحديات كبيرة في توفير المأوى والغذاء والرعاية الطبية، ما يستدعي تدخل المنظمات الإنسانية والدولية لتخفيف معاناة المدنيين.
التوترات الإسرائيلية اللبنانية تتصاعد منذ سنوات، مع تبادل متواصل للتهديدات والغارات، خصوصًا في الجنوب اللبناني وضاحية بيروت. وتعتبر هذه المنطقة حساسة جدًا بالنسبة إلى الأمن الإسرائيلي، حيث يتهم الجيش الإسرائيلي «حزب الله» بإنشاء بنى تحتية عسكرية تهدد المدنيين الإسرائيليين. من جانب آخر، تعتبر بيروت أي غارة إسرائيلية انتهاكًا للسيادة اللبنانية، وتطالب المجتمع الدولي بالتدخل ووقف الاعتداءات.
جنوب لبنان يعيش لحظة حرجة، بين نزوح أهالي البلدات المستهدفة، وتوترات سياسية وعسكرية على الحدود، ومحاولات دبلوماسية بقيادة قبرص لإطلاق الأسرى اللبنانيين. وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مفتوحًا حول قدرة المجتمع الدولي على فرض التهدئة ومنع التصعيد قبل أن يتحول النزاع إلى مواجهة أوسع تؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي.