حسابات معقدة: ما حدود تطبيق اتفاق السعودية — باكستان الدفاعي؟

القاهرة- وكالة أنباء آسيا

2025.09.18 - 06:35
Facebook Share
طباعة

في دراسة حديثة صادرة عن مركز رع للدراسات الاستراتيجية، يتم تناول الاتفاق الدفاعي السعودي – الباكستاني بوصفه تحولًا نوعيًا في معادلات الأمن الإقليمي، مع محاولة تفكيك حدوده العملية والرمزية، واستشراف انعكاساته على التوازنات الإقليمية والدولية. تأتي هذه الدراسة في إطار اهتمام المركز برصد التحولات الكبرى في البيئة الأمنية بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا، وتحليل تداعياتها على مفاهيم الردع، توزيع الأعباء، والتحوط الاستراتيجي.

لقد وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، في 17 يوليو 2025 بالرياض، اتفاقية دفاعية استراتيجية نصت صراحة على أن أي اعتداء على أحد البلدين يُعد اعتداءً على كليهما. رافقت هذه الخطوة مظاهر بروتوكولية رمزية – من بينها مرافقة الطائرات السعودية لطائرة شريف – لكنها حملت في جوهرها إشارات سياسية ودفاعية تتجاوز الرمزية إلى مستوى التزامات أمنية جديدة.

يأتي هذا الاتفاق في سياق بيئة إقليمية متوترة، يتقاطع فيها تراجع المظلة الأمنية الأمريكية التقليدية مع تصاعد التهديدات غير المتماثلة، من الإرهاب العابر للحدود، إلى هجمات سيبرانية وتهديدات اقتصادية وخطوط ملاحة استراتيجية.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أبعاد الاتفاق، عبر ثلاثة مستويات:

1. تشخيص التهديدات التي تواجه كل طرف، ومصفوفة الالتزامات المتبادلة.


2. تحليل حدود الدعم الممكن بين الرياض وإسلام آباد.


3. استشراف الانعكاسات الاستراتيجية للاتفاق على الأمن الإقليمي والدولي.

 


أولًا: مصفوفة التهديدات السعودية والباكستانية

1. التهديدات الباكستانية

تتوزع التحديات الأمنية لباكستان على ثلاثة محاور:

الهند كخصم تقليدي: الصراع التاريخي حول كشمير واحتمالات التصعيد العسكري المحدود الذي قد يتطور سريعًا إلى مواجهة واسعة.

تهديدات داخلية – طالبان باكستان: هجمات متكررة على قوات الأمن والبنية التحتية.

امتدادات داعش ولاية خراسان: نشاط متزايد على الحدود مع أفغانستان واحتمالات انتشار مسلحين عابرين للحدود.


2. التهديدات السعودية

أما السعودية فتواجه بيئة تهديدات أكثر تنوعًا:

ضعف المظلة الأمريكية التقليدية: تردد واشنطن في الالتزام المباشر بحماية الخليج.

التهديدات الإقليمية: خاصة في ظل توتر العلاقات مع إيران وما نتج عن هجوم إسرائيل على قطر.

التهديدات غير المتماثلة: شبكات إرهابية كداعش وفصائل جهادية عابرة للحدود.

تهديدات بحرية واقتصادية: تخص خطوط الملاحة النفطية في الخليج والبحر الأحمر.


3. التباين في طبيعة التهديدات

يتضح أن باكستان تواجه خصمًا تقليديًا ضخمًا (الهند) إلى جانب تهديدات داخلية، بينما تركز السعودية على تهديدات إقليمية غير متماثلة. هذا التباين يجعل الاتفاقية أكثر فاعلية في مواجهة التهديدات غير النظامية، وأقل قدرة على تغطية حروب تقليدية واسعة.

 

ثانيًا: حدود الدعم الممكن

يمكن تفكيك الدعم السعودي–الباكستاني إلى ستة مستويات رئيسية:

1. الدعم الدبلوماسي:

الرياض قادرة على توظيف وزنها في المؤسسات الدولية لتقليل عزلة باكستان، خاصة في حال مواجهة مع الهند.

لكن ذلك قد يضع السعودية في توتر مباشر مع نيودلهي وواشنطن.

 

2. الاقتصاد كأداة أمنية:

السعودية تمتلك القدرة على تمويل احتياطيات باكستان أو دعم مشاريع بنية تحتية عسكرية.

هذا التمويل يعزز قدرة إسلام آباد على تمويل دفاعها، لكنه يحمّل الرياض التزامات مالية طويلة المدى.

 

3. التسهيلات اللوجستية:

إمكانية استخدام الموانئ أو القواعد السعودية في عمليات دعم لوجستي.

خطوة منخفضة التكلفة نسبيًا لكنها حساسة سياسيًا وتستدعي قدرًا من السرية.

 

4. التعاون الاستخباراتي والتقني:

يشمل تبادل بيانات الاستشعار بالأقمار الصناعية، المراقبة الجوية والبحرية، وتحليل التهديدات المبكرة.

يمثل العنصر الأكثر فاعلية وأقل تكلفة نسبيًا، لكنه يتطلب بناء ثقة عالية وآليات لحماية المصادر.

 

5. تدريب الوحدات الخاصة ومكافحة الإرهاب:

باكستان تملك خبرة عسكرية كبيرة في مواجهة التمرد، يمكن أن تستفيد منها السعودية.

إقامة مراكز تدريب مشتركة قد يقلل من كلفة مواجهة تهديدات غير تقليدية.

 

6. البعد النووي:

رغم أن باكستان قوة نووية، فإن أي ربط مباشر بين الرياض والقدرات النووية يفتح بابًا لتصعيد إقليمي وضغوط دولية.

لذا سيبقى الدور النووي عنصرًا رمزيًا أكثر منه التزامًا عمليًا.

 

ثالثًا: الانعكاسات الاستراتيجية

1. توازن الأعباء الأمنية:
الاتفاق يعكس إدراكًا متبادلًا بأن مواجهة التهديدات لم تعد ممكنة عبر جهد منفرد. تبادل الخبرات وتوزيع الأعباء يوفر لكل طرف قدرًا من المرونة.


2. التحوط ضد تقلبات النظام الدولي:
الرياض تتجه لتقليل اعتمادها المطلق على واشنطن، بينما تستخدم إسلام آباد الشراكة مع السعودية كرافعة سياسية ومالية أمام الضغوط الغربية والهندية.


3. إرسال رسائل ردعية:
الاتفاق يحمل رسالة مزدوجة: أي تهديد لباكستان يعني مواجهة شبكة من الحلفاء الخليجيين، وأي تهديد للسعودية يستدعي ردًا نوويًا محتملًا (ولو رمزيًا).


4. إدارة مخاطر التصعيد:
ضرورة وضع بروتوكولات واضحة لتفعيل الاتفاق، لتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة لا يرغب بها أي طرف.


5. بناء منظومة ردع متعددة الأبعاد:
يشمل ذلك الردع العسكري، التعاون الاستخباراتي، مكافحة الإرهاب، وحتى التعاون الصناعي الدفاعي.


6. ترسيخ مفهوم التحوط الاستراتيجي:
الاتفاق ليس تحالفًا تقليديًا بقدر ما هو أداة لتوسيع خيارات الطرفين وتقليل المخاطر عبر توزيع الأعباء.

 

 


تمثل الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان اختبارًا لمفهوم التحوط الاستراتيجي في بيئة إقليمية مضطربة. فهي ترفع كلفة أي تهديد محتمل ضد الطرفين عبر مضاعفة عناصر الردع، لكنها لا تذيب التناقضات الجوهرية بين طبيعة التهديدات التي يواجهها كل طرف.

وفي النهاية، تكشف الدراسة أن الاتفاق لن يكون بالضرورة مظلة صلبة ضد الحروب التقليدية واسعة النطاق، لكنه قد يشكل رادعًا فعالًا ضد التهديدات غير النظامية، ويوفر للرياض وإسلام آباد فرصة لتقليل انكشافهما على الضغوط الدولية والإقليمية.

بهذا المعنى، فإن الاتفاقية ليست نهاية في ذاتها، بل بداية لمسار طويل لبناء شراكة أمنية هجينة، قادرة على التكيف مع تحولات النظام الدولي. وهو ما يجعلها خطوة متقدمة ضمن سلسلة دراسات مركز رع حول التحولات الكبرى في منظومة الأمن الإقليمي والدولي.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3