في الذكرى الأولى لتفجيرات أجهزة "البايجرز" واللاسلكي التي هزّت لبنان وأوقعت أكثر من ثلاثة آلاف ضحية بين قتيل وجريح، ما زالت هذه الحادثة تُعد واحدة من أبرز المحطات في مسار الصراع بين إسرائيل وحزب الله، سواء من الناحية العسكرية أو النفسية أو القانونية.
يرى محللون أن العملية لم تكن مجرد هجوم عسكري تقليدي، بل سعت إلى توظيف القدرات التكنولوجية والاستخباراتية الإسرائيلية ضمن استراتيجية مركبة تستهدف البنية العملياتية لحزب الله كما البيئة الحاضنة له. بعض التقديرات الإسرائيلية تحدثت حينها عن محاولة "شل" جزء أساسي من الجهاز الميداني للحزب عبر تحييد آلاف المقاتلين.
لكن متابعين يشيرون إلى أن النتائج جاءت أقل من التوقعات. فبرغم حجم الخسائر، استطاع الحزب – بحسب تقارير ميدانية – إعادة تنظيم صفوفه واستئناف نشاطه بسرعة نسبية. ويصف خبراء في الشؤون العسكرية هذه القدرة بأنها مؤشر على مرونة تنظيمية تمكّنه من امتصاص الصدمات الكبيرة.
على المستوى النفسي، اعتقدت إسرائيل أن الهجوم سيؤدي إلى إرباك واسع في بيئة الحزب، غير أن مراقبين يرون أن العملية أنتجت أثراً معاكساً، إذ تحولت إلى عامل تعبئة إضافي ضد إسرائيل، خصوصاً مع سقوط ضحايا مدنيين.
أما على صعيد الردع، فلم تُترجم العملية إلى تغيّر جذري في قواعد الاشتباك. وبعد عام كامل، لا يزال حزب الله محتفظاً بخطوطه العامة في المواجهة، فيما تؤكد الدراسات الإسرائيلية أن الهدف المعلن المتمثل في "ضربة قاضية" لم يتحقق.
من الناحية القانونية، أعادت التفجيرات طرح تساؤلات حول الالتزام بالقانون الدولي الإنساني. منظمات حقوقية وخبراء في القانون أشاروا إلى أن استخدام أجهزة مدنية مثل "البايجرز" كأدوات تفجير يندرج ضمن الأفعال المحظورة بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، التي تلزم الأطراف المتحاربة بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين.
وعلى الرغم من ذلك، لم يصدر حتى الآن تحرك فعّال من جانب المحاكم الدولية. ورغم مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت على خلفية أحداث غزة، لم تُفتح قضية مستقلة حول تفجيرات "البايجرز"، ما يعزز – وفق خبراء قانونيين – المخاوف من استمرار إفلات إسرائيل من المحاسبة.
في المحصلة، تبقى جريمة "البايجرز" علامة فارقة في سجل المواجهة، سواء بوصفها اختباراً للقدرة على استخدام التكنولوجيا في النزاعات، أو من حيث آثارها الميدانية والنفسية والسياسية. ومع غياب المحاسبة الدولية، يرى مراقبون أن تداعيات هذه الحادثة ستظل مفتوحة، لتشكّل جزءاً من المشهد الأوسع للصراع في المنطقة.