سجّل تقرير استخباري وتحليل بيانات نشره «مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير» مؤشرات قوية على وجود تعاون استخباراتي منهجي بين فرنسا وإسرائيل داخل الأراضي اللبنانية، تقوم عليه طائرات استطلاع فرنسية مسيّرة من طراز MQ-9 Reaper تعمل ضمن قوة «اليونيفيل»، وتُستخدم وفق ما ذكر التقرير في جمع معلومات تُخدم التخطيط والضربات الإسرائيلية ضدّ أهداف في الجنوب والبقاع وبيروت.
ما الذي يكشفه التقرير؟
يُبرز التقرير سلسلة من ملاحظات رصد الحركة الجوية لعام 2025 تُشير إلى نشاط شبه يومي ومنتظم لطائرات MQ-9 فرنسية حاملة لرموز نداء مثل DOWN33 وDOWN34 فوق مناطق لبنانية حسّاسة. ويشير الباحثون إلى أن كثافة وديمومة هذه التحليقات تصاعدت بشكل واضح بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، ما مثّل، حسب وصفهم، «تحوّلاً نوعياً» في نمط المراقبة الدولية للأجواء اللبنانية.
بحسب التقرير، لا تقتصر مسارات الطائرات على مراقبة حدودية تقليدية للخط الأزرق، بل تمتدّ لمساحات استراتيجية داخل لبنان — من سهل البقاع شمالاً ووسطاً إلى محيط العاصمة بيروت — ما يضع نشاط هذه الطائرات في خانة الاستخبارات الاستراتيجية الشاملة (ISR) التي تهدف، وفق التحليل، إلى بناء صورة استخباراتية متكاملة عن قدرات ومواقع المقاومة: تحركات قوات، مخازن أسلحة، منصات إطلاق، شبكات اتصال وقيادة، وطرق إمداد لوجستية.
دلائل التزامن مع عمليات إسرائيلية
يشير مركز الأبحاث إلى وقوع حالات تزامن متكرر بين تحليقات هذه المسيّرات الفرنسية وعمليات جوّية أو اغتيالات نفّذتها القوات الإسرائيلية في نفس المناطق أو ضمن أطر زمنية متقاربة. أمثلة وردت في التقرير: تحليق استطلاعي فرنسي فوق القطاع الشرقي للجنوب والبقاع بتاريخ 29 تموز تلاه تكثيف للطيران الإسرائيلي يومي 30 و31 تموز، وتحليق مكثّف في البقاع الأوسط ونقطة المصنع بتاريخ 7 آب 2025 تلتها عمليتا اغتيال في بلدة كفردان ونقطة المصنع أودتا حياة 9 أفراد حسب ما ذكر التقرير. ويؤكد التحليل أن هذا التكرار لا يمكن تفسيره على أنه صدفة، بل مؤشر على تعاون استخباراتي عملي ومستمر.
كيف تُستثمر هذه المعلومات؟
يخلص التقرير إلى أن نتائج عمليات الاستطلاع الفرنسية، وإن لم تكن موجهة رسمياً بقيادة إسرائيلية، فإنها تصبّ بشكل واضح في صالح الأمن القومي الإسرائيلي: إذ تزود العدو بصورة تشغيلية أدقّ تقلّل من احتمالات المفاجأة التكتيكية وتسهّل بناء «بنك أهداف» للتخطيط لضربات لاحقة. كما يشير التقرير إلى أن الاستمرار في المراقبة الجوية المستمرة يحدّ من قدرة المقاومة على التخفّي ويقيّد حركتها العملياتية ويؤثر في عنصر المفاجأة الذي تعتمد عليه.
تحوّل في دور اليونيفيل؟
يربط مركز الأبحاث بين هذا النشاط ومرحلة تحوّلٍ في دور عناصر قوة «اليونيفيل» المنخرطة في الجنوب، من مهمة حفظ سلام تقليدية إلى نشاط استطلاعي ذا طابع عسكري استباقي، خصوصاً مع الحديث الدولي المتزايد حول شروط تجديد تفويض القوة الدولية. ويورد التحليل أن استخدام منصات استخباراتية هجومية متطوّرة من هذا النوع يعيد تشكيل وظيفة الوجود الدولي في لبنان، ويحوّله من رادع محايد إلى عنصر تأثير تشغيلية قد تُستغل في استهداف المقاومة.
تبعات سياسية وقانونية
يُعدّ التقرير هذه الممارسات خروجا عن نطاق التفويض التقليدي لبعثات حفظ السلام، لجهة استخدامها لأدوات جمع استخباراتية تخدم جهات فاعلة في صراع مسلح. ويشير إلى أن هذه الممارسات تُثير أسئلة سياسية وقانونية حول احترام سيادة لبنان وطبيعة التفويض الأممي (القرار 1701) وحدود مشاركة قوى دولية في جمع معلومات قد تُوظف لعمليات قتالية. كما يُحذّر من أن استمرار هذا النمط قد يؤدي إلى تغيّر جذري في توازنات الردع والمواجهة في الداخل اللبناني ومحيطه الإقليمي.
يبقى ما عرضه «مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير» تقريراً تحليلياً يستند إلى بيانات رصد حركة جوية وتتابعات زمنية لأنشطة عسكرية واستطلاعية. ويطرح التقرير تساؤلات جوهرية حول طبيعة دور الدول المشاركة في «اليونيفيل» وحدود ما يُسمح به من مهام استخبارية ضمن تفويضات حفظ السلام، ويدعو إلى توضيح رسمي من الجهات المعنية حول أسباب ونطاق هذه العمليات وآليات مراقبتها ومسؤولياتها القانونية والسياسية.
(تقرير مبني على بيانات ونصوص مترجمة وتحليلية أعدّها «مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير» كما وردت في الوثيقة المقدّمة.)