مناف طلاس.. بين طموح منفي وعودة محتملة

2025.09.16 - 12:31
Facebook Share
طباعة

 بعد غياب استمر نحو ست سنوات، عاد العميد المنشق عن الجيش السوري السابق مناف طلاس إلى الواجهة عبر محاضرة ألقاها في معهد العلوم السياسية "سيانس بو" في باريس السبت الماضي، وسط حضور لافت وتغطية إعلامية واسعة. طلاس، وهو نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس وصديق شخصي سابق لبشار الأسد، أثار منذ انشقاقه عام 2012 جدلاً واسعاً بعد انتقاله إلى فرنسا، حيث حاول مراراً تأسيس هيكلية عسكرية تضم ضباطاً منشقين وموالين سابقين، إلا أن محاولاته بقيت محدودة التأثير مع صعود تيارات مسلحة مدعومة إقليمياً، قبل أن يبتعد عن الأضواء منذ 2019.


في محاضرته الأخيرة، نفى طلاس أن تكون لديه نية لتولي السلطة، لكنه أشار في المقابل إلى امتلاكه شبكة تضم نحو عشرة آلاف ضابط من الجيش السوري ضمن "المجلس العسكري" الذي أسسه. وقدّم رؤيته لحل الأزمة بصيغة غير صدامية مع السلطات الانتقالية، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية قادرة على حماية المرحلة الانتقالية وضبط الأمن. واقترح إنشاء مجلس عسكري بعد "توحيد البندقية"، يتولى مهام واسعة في إعادة هيكلة الجيش ليصبح جيشاً وطنياً. كما شدد على ضرورة إشراك جميع القوى في السلطة، معتبراً أن سوريا لا يمكن أن تُحكم بالسلفية، مفضلاً نموذجاً "أشعرياً أو صوفياً" يشارك في السياسة.


ورغم إعلانه عدم وجود تواصل مع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وجه إليه نصائح بضرورة التنازل عن بعض الصلاحيات لصالح المؤسسة العسكرية، معلناً استعداده لتقديم الدعم والخبرة في هذا المجال. غير أن مراقبين اعتبروا نفيه الطموح السياسي مجرد مناورة، إذ لا يغيب عن طلاس أن قوى إقليمية ودولية قد تراه خياراً بديلاً قابلاً للتسويق في حال تعثرت السلطة الحالية.


المحاضرة التي نُظمت وسط إجراءات أمنية مشددة، ومنع خلالها التصوير أو التسجيل، أثارت جدلاً حتى قبل انعقادها. فقد ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن السلطات الانتقالية حاولت عبر سفارتها في باريس منع إقامتها، لكن السلطات الفرنسية رفضت ذلك. وإن صحت هذه الرواية، فإنها تعكس خشية من بروز طلاس كبديل محتمل في الساحة السورية، خاصة مع تنامي قوى معارضة جديدة مثل "الكتلة الوطنية" التي تأسست مؤخراً وتضم شخصيات وأحزاباً سياسية.


توقيت ظهور طلاس ترافق مع ضغوط متزايدة على السلطة الانتقالية، التي أخفقت حتى الآن في معالجة ملفات أساسية مثل القضية الكردية، أو قضية الدروز التي تعقدت بعد المجازر بحقهم، إضافة إلى تعثر ملف العلويين في الساحل. كما لم تحقق تقدماً في العدالة الانتقالية أو المصالحة المجتمعية، فيما تبيّن أن بعض الاستثمارات المعلن عنها لم تتجاوز كونها مشاريع إعلامية أو اتفاقيات مع شركات وهمية.


هذا الظهور المفاجئ فتح باب المقارنة مع تجربة المشير الليبي خليفة حفتر، الذي تمكن من إعادة تشكيل قوات عسكرية من بقايا الجيش الليبي المنهار بعد سقوط القذافي، وأطلق عام 2014 "عملية الكرامة" التي مكنته من السيطرة على الشرق الليبي الغني بالنفط وإقامة سلطة موازية في بنغازي. وبرغم الاختلافات بين حفتر وطلاس، فإن هناك تشابهاً في الخلفية العسكرية، والعلاقات المتوترة مع الأنظمة السابقة، وصلات مع قوى دولية، إضافة إلى التأثير في شرائح واسعة من العسكريين.


في المحصلة، يسعى مناف طلاس إلى إعادة تقديم نفسه كلاعب سياسي – عسكري قادر على لعب دور في المرحلة المقبلة، سواء من موقع "المنصح" للسلطة الانتقالية أو كخيار احتياطي لقوى خارجية تبحث عن بديل. ورغم تأكيده على عدم السعي للحكم، يبقى السؤال مطروحاً: هل يشكل ظهوره بداية مسار جديد يعيد إنتاج تجربة مشابهة لحفتر في سوريا، أم أنه مجرد عودة إعلامية عابرة لرجل ظل لسنوات في الظل؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 1