في وقتٍ لا تزال فيه الاعتداءات الإسرائيلية على غزة متواصلة، وتداعياتها تطال المنطقة بأسرها تحت حماية أميركية كاملة، تبرز في لبنان أصوات ترى في واشنطن مظلة حماية، بل وتدعو إلى اتفاقية دفاع مشترك معها، رغم كل ما تحمله هذه الطروحات من جدل سياسي وأمني داخلي.
طرح ليندسي غراهام
الفكرة أُعيد تسويقها مؤخراً مع زيارة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى بيروت برفقة وفد أميركي قبل أسبوعين، حين تحدث عن إمكانية عقد معاهدة دفاع مشترك بين واشنطن وبيروت. وقد وصف بعض اللبنانيين هذا الطرح بأنه "عرض غير مسبوق"، معتبرين أن الولايات المتحدة ستكون في موقع الدفاع عن لبنان في حال تعرضه لأي تهديد. وزاد الاهتمام بهذا الملف بعد أن أعاد غراهام طرحه أمام الكونغرس الأميركي، داعياً إلى المضي في تنفيذه.
لكن معارضين لهذه الطروحات يشيرون إلى أن التجربة مع واشنطن لا تبشّر بما يُسوّق له، مستشهدين بقطر التي تحتضن أكبر قاعدة أميركية في المنطقة منذ توقيعها اتفاقية تعاون دفاعي عام 1992، ولم يمنعها ذلك من التعرّض للقصف الإسرائيلي مؤخراً.
استعادة ذاكرة 1982 – 1983
تستحضر أوساط سياسية تجربة سابقة في لبنان خلال أعوام 1982 – 1983، حين وقّعت بيروت اتفاق تعاون مع واشنطن هدفه المعلن تسليح الجيش اللبناني وتنظيمه وإعادة هيكلته. لكن الهدف العملي كان تمهيد الطريق لاتفاق 17 أيار والتحضير لتكريس "السلام" مع إسرائيل، إضافة إلى تجهيز الجيش ليكون أداة لحماية هذا الاتفاق ومواجهة المقاومة. حينها، أبرمت صفقة لشراء مروحيات "بوما" فرنسية بقيمة ثلاثة مليارات، ليتضح لاحقاً أنها رومانية الصنع.
ومنذ ذلك الوقت، ظل ملف تسليح الجيش اللبناني خاضعاً لإشراف مباشر من واشنطن، عبر لجنة عسكرية تحدد أدق تفاصيل الدعم، وتمنع وصول أي مساعدات خارج المحور الأميركي.
مخطط أميركي جديد
اليوم، تتخذ مسألة دعم الجيش بعداً مختلفاً، خصوصاً مع تكليف الحكومة له إعداد خطة لنزع سلاح المقاومة. وبحسب ما نُقل عن موفدين أميركيين، هناك تصور جديد وضعته القيادة الوسطى للجيش الأميركي "سنتكوم" بقيادة الأدميرال براد كوبر، يهدف إلى تعديل آلية الدعم بحيث لا تمر عبر الكونغرس، بل تصدر مباشرة بتوصية من البنتاغون يوافق عليها الرئيس الأميركي.
هذا التعديل، وفق مصادر متابعة، سيسرّع عملية إعادة تنظيم الجيش وهيكلته، لكن بعيداً عن تمكينه من الدفاع عن لبنان أو مواجهة أي اعتداء. الهدف الأساسي، كما تقول هذه المصادر، هو تكريس مشروع "المنطقة العازلة" جنوباً لمصلحة إسرائيل.
نحو نظام أمني إقليمي
تضيف المصادر أن كوبر يعمل على بلورة نظام أمني إقليمي يشبه "حلف بغداد" في خمسينيات القرن الماضي، لكن هذه المرة موجه مباشرة ضد إيران. هذا النظام قائم عملياً منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، حيث شاركت دول عربية في تمويل وتعاون استخباراتي وعسكري إلى جانب إسرائيل، كما حصل مع الأردن الذي وفّر مجاله الجوي لشن هجمات على إيران. الجديد اليوم هو محاولة إدخال لبنان وسوريا في هذا الإطار لإعطائه بعداً مؤسساتياً.
الجيش بين الدعم والرهان
وفق هذا التصور، يصبح أي "دعم" للجيش اللبناني جزءاً من تعاون أوسع بين جيوش المنطقة لصالح المشروع الأميركي – الإسرائيلي، وربما يتحول لبنان إلى منصة لنشر بطاريات دفاعية أميركية موجهة ضد دول تدعم فلسطين. وتؤكد مصادر متابعة تسجيل حركة شبه يومية لطائرات عسكرية أميركية تنقل شحنات غامضة عبر مطار حامات.
في المحصلة، تشير المعطيات إلى أن أي تعاون دفاعي محتمل مع واشنطن لن يخرج عن إطار إدارة مصالحها في المنطقة، وربطه بملف "اتفاقيات إبراهام"، مع احتمال أن يُدفع لبنان نحو الانضمام إليها بشكل غير مباشر.