يبرز ملف تمثيل المغتربين في الانتخابات اللبنانية كأحد أكثر الملفات حساسية في المشهد السياسي الحالي، حيث تتقاطع فيه المطالب الدستورية مع التوازنات الانتخابية الداخلية. أحدثت قاعدة المقاعد الستة التي تحصر أصوات المغتربين في ستة مقاعد موزعة على القارات توتراً بين المجموعات المغتربة والحكومة اللبنانية، لتثير جدلاً حول عدالة التمثيل وإمكانية تطبيق هذا النظام على أرض الواقع.
أصدرت عشرات المجموعات اللبنانية المغتربة، من بينها شبكة الاغتراب اللبناني، جمعية الانتشار اللبناني ما وراء البحار، الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، كلنا إرادة، والمنتدى اللبناني في أوروبا، بيانا مشتركاً حذرت فيه من أن قاعدة المقاعد الستة تقلص من تأثير المغتربين السياسي مقارنة بالمقيمين وتضر بمبدأ العدالة في التمثيل، مؤكدة أن حقهم في التصويت وفق مكان قيدهم حق دستوري ثابت.
هذه المجموعات تمثل شريحة واسعة من اللبنانيين المنتشرين في الخارج، الذين يتابعون التطورات الداخلية ويشكلون ركائز اقتصادية واجتماعية هامة في البلاد.
يرى مراقبون أن رفض المغتربين لهذه القاعدة لا يقتصر على الجانب الرمزي أو القانوني، بل يرتبط بتداعياتها العملية على نتائج الانتخابات المقبلة، إذ أن تقييد الأصوات يقلص من قدرة المغتربين على التأثير في تشكيل البرلمان ويحد من التنوع السياسي في التمثيل.
كما أن تطبيق قاعدة المقاعد الستة يفرض تعقيدات لوجستية كبيرة تجعل التصويت أكثر صعوبة، وهو ما يثير مخاوف حول النزاهة والشفافية في احتساب الأصوات.
من منظور سياسي، يظهر هذا النزاع خلفية أكبر تتمثل في سعي الحكومة اللبنانية لضبط التوازن بين القوى الداخلية، بينما يحاول المغتربون تأكيد دورهم في الحياة السياسية والمطالبة بتمثيل متساوٍ مع المواطنين المقيمين.
في الوقت نفسه، يشكل الضغط المغترب تحدياً للحكومة والجهات السياسية المحلية، إذ يضعها أمام اختبار حقيقي لمصداقية إصلاحاتها الانتخابية وقدرتها على الموازنة بين القوانين التقليدية وحق المواطنين في الخارج.
باختصار، المسألة تتجاوز مجرد تحديد عدد المقاعد، لتصبح قضية تتعلق بعدالة التمثيل السياسي، قدرة المغتربين على التأثير، وتوازن القوى في البرلمان اللبناني المقبل، ما يجعل رفض قاعدة المقاعد الستة مؤشراً على صراع مستمر بين المطالب الدستورية والاعتبارات السياسية الداخلية.