الأزمة المستمرة في بيروت بشأن النفايات تكشف أكثر من مجرد قصور إداري، فهي تعكس تراكمات طويلة الأمد في آليات إدارة المدينة، وضعف التنسيق بين البلديات وأصحاب المصالح الكبرى.
تراكم المخلفات أصبح مؤشراً على خلل في الرقابة العامة وعجز عن فرض القوانين بفاعلية.
الحكومة، من خلال اجتماعها الأخير، تبدو واعية أن استمرار هذه الفوضى يمكن أن يتحول إلى تهديد للصحة العامة والنظام الاجتماعي، وربما إلى مجال تصادم بين الأجهزة الرسمية والمواطنين أو مختلف مصالح القطاع الخاص.
التوجيهات الصادرة تتجاوز الإجراءات الروتينية، فهي تشير إلى محاولة ضبط السلوك الفردي والجماعي من خلال زيادة عدد المستوعبات، الالتزام الصارم بمواعيد الرمي، وملاحقة "النباشين"، أي أن الحكومة تسعى لتكريس نوع من الانضباط المدني كجزء من استعادة سلطتها هذه الخطوة تعكس وعياً بأن معالجة الأزمات اليومية تحتاج إلى مزيج من الإجراءات الأمنية والإدارية، وليس مجرد خطط نظرية أو بيانات إعلامية.
في الوقت ذاته، التفاعل مع المؤسسات الأهلية مثل جمعية "الكشاف المسلم" يظهر بعدًا استراتيجيًا آخر للحكومة: بناء جبهة مدنية داعمة تساند الدولة في فرض سيادتها على الأرض، في ظل انتشار السلاح والفوضى المحلية، وإدراك أن الملفات اليومية – من النفايات إلى شؤون الشباب – لا يمكن حلها بمعالجات إدارية بحتة.
حضور هذه المؤسسات يعكس رغبة الدولة في ربط معالجة الملفات الاجتماعية اليومية بتعاون المجتمع المدني، ما يعزز فرص استقرار العاصمة ويخلق شبكة دعم غير رسمية للسياسات الحكومية.
في المجمل، الأزمة ليست مجرد أزمة نفايات، بل اختبار لقدرة الدولة على فرض سلطتها واستعادة الانضباط المدني، وتحويل الفوضى المترسخة إلى نظام مؤسسي يضمن الصحة العامة والأمن والاستقرار الاجتماعي في بيروت.