في ظل مداولات سياسية وأمنية متواصلة حول ملف الجنوب اللبناني ومستقبل السلاح الفلسطيني، تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة الضغوط الأميركية والغربية، مدعومة بمواقف عربية، للانتقال من الحديث عن نزع السلاح إلى فرض خطوات عملية تستهدف المخيمات الفلسطينية الممتدة من نهر الأولي حتى الحدود الدولية.
المبعوث الأميركي توم براك، ومعه مسؤولون غربيون وعرب، شددوا خلال لقاءات متفرقة على ضرورة أن يكون نزع السلاح شاملاً لكل المجموعات التي تُجاهر بعدائها لإسرائيل، مؤكدين أن الأخيرة لم تعد تميز بين خصومها، إذ استهدفت في الحرب الأخيرة قيادات وعناصر من حزب الله إلى جانب فصائل فلسطينية بينها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ووفق المعطيات، فإن الجانب الأميركي طلب من الدولة اللبنانية إقناع الفلسطينيين بتسليم أسلحتهم بالكامل، على أن تصبح المخيمات الواقعة جنوب نهر الأولي خالية من أي وجود مسلح. الضغوط شملت خصوصاً مخيمات الرشيدية والبص وبرج الشمالي والقاسمية وعين الحلوة والمية ومية، مع طرح خطة تدريجية تبدأ بإزالة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لا سيما تلك التي تُصنف تهديداً مباشراً لإسرائيل مثل الصواريخ والمدافع والرشاشات المضادة للطائرات. كما تركزت الاتهامات على حماس بإنشاء مصانع ومخارط لإنتاج طائرات مسيّرة داخل بعض المخيمات، ما جعل هذا الملف جزءاً من أي تسوية مفروضة.
التحذيرات الغربية والعربية رُبطت بتهديد مباشر للفلسطينيين: عدم التجاوب مع الخطة سيجعل المخيمات هدفاً لإسرائيل، التي لن تميّز بعد اليوم بين مدنيين ومقاتلين في أي مواجهة جديدة. الرسائل العلنية ذهبت أبعد من ذلك، إذ شبّهت مصير المخيمات بما يجري في غزة والضفة الغربية من تدمير شامل للبنية المدنية.
على خط موازٍ، برزت مخاوف من نشاطات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في لبنان، حيث لوحظ أن المديرة الحالية دوروثي كلاوس، بدعم مباشر من ألمانيا وعدة سفارات غربية، تقود تحولات في عمل الوكالة نحو مسار أمني. فقد شرعت الوكالة في تنفيذ مشاريع لشراء أو ضم عقارات في مناطق إقليم الخروب وشمال لبنان، ما أثار الشكوك حول نية ترحيل سكان المخيمات الجنوبية إليها ضمن خطة تهجير ناعمة، خصوصاً مع تقليص خدمات الأونروا المتسارع في المخيمات.
هذا المسار الأمني تعزز مع ضغوط تُمارس على السلطات اللبنانية لتوسيع التعاون مع الوكالة، وهو ما ظهر مؤخراً حين نفذت استخبارات الجيش اللبناني عملية قمع هي الأولى من نوعها ضد شبان فلسطينيين كانوا يعتزمون الاعتصام أمام مقر الأونروا في بئر حسن.
وتكشف بعض الوقائع عن عمق هذا التحول. فقبل اغتيال الموظف السابق في الوكالة شريف أبو الأمين مع أسرته في غارة إسرائيلية على مخيم البص نهاية أيلول 2024، خضع لتحقيقات مباشرة من قبل كلاوس وفريقها. المثير أن الفريق عرض خلال الجلسة ملفاً أمنياً يتضمن بيانات اتصالات شخصية، ما يشي بوجود تنسيق أمني محلي وخارجي يتجاوز صلاحيات الوكالة.
الأمر لا يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل يمتد إلى خطوات رمزية ذات بعد سياسي، أبرزها إغلاق مدرسة فلسطين في مخيم برج الشمالي، حيث تبيّن أن القرار لم يكن بدافع تقليص النفقات أو إعادة الهيكلة، بل فقط بسبب اسم المدرسة، وهو ما أدى إلى إنهاء عمل أكثر من مئة مدرس.
بهذا، يجد الفلسطينيون في لبنان أنفسهم بين فكي كماشة: ضغوط أميركية – إسرائيلية مباشرة لنزع السلاح بأي ثمن، ومسار تقوده الأونروا بدعم أوروبي لإعادة تشكيل وجودهم جنوباً، في إطار مشروع يذهب بعيداً نحو تصفية قضية اللاجئين من بوابة «الأمن».