بشير الجميل في ذاكرة اللبنانيين: 43 عاماً من الشهادة والحلم المستمر

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.14 - 03:39
Facebook Share
طباعة

لا يزال اسم بشير الجميل حاضراً بقوة في الذاكرة الوطنية، ليس فقط لأنه انتخب رئيساً للجمهورية اللبنانية في مرحلة مصيرية من تاريخ البلاد، بل لأنه اغتيل قبل أن يبدأ ممارسة صلاحياته. بعد أكثر من أربعة عقود على استشهاده، لا تزال صورته تثير النقاش، وتجمع مناصريه حول حلم الدولة القوية التي دعا إليها، فيما يستعيد اللبنانيون ذكراه السنوية كرمز لمعركة من أجل السيادة والحرية.

النشأة والبدايات:

وُلد بشير الجميل في 10 نوفمبر 1947 في بيروت، وهو نجل مؤسس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميل. نشأ في بيئة سياسية، ودرس الحقوق، لكنه انخرط سريعاً في النشاط الحزبي، حيث تدرج داخل صفوف الكتائب حتى برز بين القيادات الشابة. شخصيته الصلبة جعلته في الواجهة مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.

قائد في زمن الحرب:

مع بداية الحرب برز بشير الجميل قائداً عسكرياً وسياسياً في آن واحد، ففي عام 1976 تولى توحيد القوات المسيحية تحت إطار واحد، ما عزز من موقعه ونفوذه. فرض حضوره في بيروت الشرقية وجبل لبنان، وقاد معارك حاسمة.
اعتبره أنصاره حامياً للوجود المسيحي، بينما رآه خصومه قائداً حازماً وصاحب مشروع لا يلين.

التحالفات والخيارات الاستراتيجية:

لم يقتصر دور بشير على الداخل، وانما امتد إلى نسج علاقات إقليمية ودولية أقام اتصالات مع الولايات المتحدة وسعى للحصول على دعم خارجي، هذه الخيار أثار نقاشاً عاصفاً، لكنه أظهر براغماتيته ورغبته في توفير مظلة حماية لمشروع الدولة القوية.

انتخابه رئيساً:

في 23 أغسطس 1982 انتخبه مجلس النواب اللبناني رئيساً للجمهورية بعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. شكل انتخابه لحظة مفصلية رآها مؤيدوه بداية مرحلة جديدة. لكنه لم يمهل الوقت، إذ لم يستلم فعلياً مهامه الرئاسية، وبقيت ولايته الأقصر في تاريخ لبنان.

الاغتيال ومحاكمة المجرمين:

في 14 سبتمبر 1982 وأثناء اجتماع لحزب الكتائب في الأشرفية، وقع انفجار ضخم استهدف المقر، أدى إلى استشهاد بشير الجميل وعدد من رفاقه. كان الحادث صادماً وأعاد خلط الأوراق في الداخل والخارج.
وجهت أصابع الاتهام إلى حبيب الشرتوني المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. وفي عام 1994 صدر حكم قضائي بإعدامه غيابياً، وأعيد تثبيت الحكم في عام 2017. ورغم أنه لم يُنفذ الحكم ولم يُسجن الشرتوني، فإن القضية شكلت محطة أساسية لتثبيت المسؤولية عن الجريمة.

الذكرى السنوية:

في 14 سبتمبر من كل عام، يتجمع أنصار بشير الجميل في قداديس ومناسبات سياسية لإحياء ذكراه.
هذه الذكرى تتحول إلى محطة لإعادة طرح أفكاره ومشروعه حول بناء دولة قوية وسيدة. في الذكرى الثالثة والأربعين هذا العام، صدرت مواقف متعددة من سياسيين وقيادات حزبية تعكس استمرار حضوره في المشهد اللبناني.

آراء السياسيين في الذكرى:

في الذكرى الثالثة والأربعين لاغتيال الرئيس بشير الجميل، عادت الساحة اللبنانية إلى استحضار شخصية الرجل الذي شكّل رمزاً للحلم بالدولة القوية والسيادة الكاملة. هذه المحطة لم تكن مجرد مناسبة للتأمل في الماضي، بل تحولت إلى مساحة للتأكيد على ضرورة بناء وطن لا تقتله الاغتيالات ولا تغتاله المصالح.

رئيس الحكومة نواف سلام أشار في منشور على حسابه عبر منصة "أكس" إلى أن مرور أكثر من أربعة عقود على الاغتيال لم يُطفئ وهج شعار بشير "لبنان 10452 كلم²". ورأى أن الاغتيالات السياسية تناقض الحرية والديمقراطية التي يطمح إليها اللبنانيون، مؤكداً أن الخلاص لا يتحقق إلا بالمصارحة والمصالحة التي تنهي زمن الإنكار والعنف السياسي.

وزير العدل عادل نصار بدوره كتب أن بشير الجميل جسّد رفض المساومة على حساب لبنان، ودفع حياته ثمناً لموقفه. وقال إن اغتياله كان سقوطاً للجبناء وتجسيداً للإجرام، فيما بقي الحلم حياً في قلوب اللبنانيين.

أما وزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة فاعتبر أن مرور 43 عاماً على الاغتيال لم يُلغ حضور قيم بشير في وجدان اللبنانيين، مؤكداً أن مشروع لبنان السيد الحر الديمقراطي على كامل مساحته لا يزال مشروع كل الأحرار، وأن الخط الوطني السيادي الجامع الذي مثله بشير سيبقى النهج حتى قيام الدولة القوية السيدة.

وزير الإعلام بول مرقص رأى أن لبنان اليوم لا يقف عند حدود الذكرى، بل بدأ فعلياً يسير خطوات واضحة نحو ما كان يرمي إليه بشير من إعادة بناء الدولة وبسط سلطتها.

النائب سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب، كتب أن "43 عاماً بعد استشهاده في بيت الكتائب… انتصر بشير ومعه لبنان الحر السيد المستقل"، مؤكداً أن القضية التي استشهد من أجلها لم تمت.

النائب فادي كرم شدد على أن اغتيال بشير كان محاولة لإسقاط مشروع بناء الدولة، وهو ما يحاول البعض حتى اليوم عرقلته، إلا أن مشروعه سيستمر مع كل من يؤمن بالتطور والتمدن في مواجهة مشاريع التدمير والتراجع.

اللواء أشرف ريفي استعاد صورة بشير كقائد آمن بلبنان الحر المستقل وواجه نظام الأسد دفاعاً عن السيادة. وقال إن اغتياله أسقط مشروع استعادة الدولة حينها، لكنه اليوم يُستعاد بنضال الأحرار، مؤكداً أن نهج الدولة القوية العادلة الرافضة للوصاية والاحتلال سيبقى مستمراً.

النائب سعيد الأسمر وصف صوت بشير بأنه لا يزال يملأ الساحات، معتبراً أن كل كلمة قالها تحولت إلى وصية. ورأى أن استشهاده لم يكن غياباً بل ولادة نهج لا يموت تحمله القوات اللبنانية، مؤكداً على الصمود في مواجهة كل محاولات المساومة والخنوع.

النائب الياس اسطفان أشار إلى أن 14 أيلول هو محطة لاستعادة وصية بشير: دولة سيدة بجيش واحد ومؤسسات قوية، ورأى أن الحلم سيبقى ناقصاً طالما هناك سلاح خارج الشرعية يقيد الدولة ويحدّ من سيادتها، مؤكداً أن الالتزام بوصية بشير ليس مجرد تذكير سنوي بل معركة يومية حتى قيام الدولة التي استشهد من أجلها.

النائب ميشال معوض اعتبر أن اغتيال بشير، كما اغتيال الرئيس رينه معوض بعد انتخابه، كان يهدف إلى منع قيام دولة لبنانية حرة مستقلة تحتكر السلاح والقرار. وأكد أن لبنان اليوم، بعد مرور 43 عاماً، بدأ ينتصر على من أراد تحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

النائب أديب عبد المسيح شدد على أن ذكرى استشهاد بشير تتقاطع مع رفع الصليب في عيده، معتبراً أن الرجل تحوّل رمزاً للبنان الرسالة والحلم بالدولة القوية الواحدة وأكد أن المسيرة اليوم تستمر في عهد الرئيس جوزاف عون، مع تجديد الإيمان بدولة الرجاء التي ضحّى بشير بحياته من أجلها.

النائب سليم الصايغ رأى أن اغتيال بشير لم يكن خسارة قائد أو رئيس منتخب فقط، بل كان خسارة شخصية تاريخية جسدت الوجدان اللبناني بأسره، لا المسيحي وحده واعتبر أن ما فعله بشير ترك أثراً لا يُعوّض.

التيار الوطني الحر أصدر بياناً قال فيه إن الحلم الذي مثله بشير بالدولة القوية ومحاربة الفساد وحفظ استقلال الكيان ما زال مترسخاً في وجدان اللبنانيين ورأى أن الذكرى، بعد صدور الحكم في قضية الاغتيال عام 2017 في عهد الرئيس ميشال عون، يجب أن تكون محطة لتعزيز الاتحاد الوطني والتمسك برمزية الشهداء مهما اختلفت الآراء.

أما جمعية إنماء طرابلس والميناء فاعتبرت في بيانها أن بشير لم يكن شخصاً عابراً، بل مشروع وطن أراده حراً سيداً مستقلاً. وقالت إن اغتياله لم يقتل الحلم بل ثبّت الفكرة في قلوب الأجيال، مشددة على أن المبادئ التي ضحى من أجلها ستبقى بوصلة اللبنانيين مهما تعاظمت التحديات.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 7