تشهد الحدود الجنوبية اللبنانية تصعيداً متكرراً من جانب القوات الإسرائيلية، التي نفّذت خلال الأشهر الثلاثة الماضية سلسلة توغلات في العمق اللبناني، تراوحت بين التفجيرات الاستعراضية والقصف على مناطق حدودية مدنية وعسكرية. أحدث هذه الحوادث جاء صباح اليوم الأحد، حين سُمعت انفجارات كبيرة في القطاع الأوسط لجنوب لبنان، نتجت عن غارة إسرائيلية استهدفت منزلاً في حي الشواط.
كما ألقت طائرات مسيرة إسرائيلية قنبلتين صوتيتين في البلدة خلال الساعات الماضية دون تسجيل إصابات، لكن الحادثة تؤكد استمرار سياسة الاستفزازات الإسرائيلية اليومية. هذه التوغلات، التي تتكرر بشكل دوري منذ نحو ثلاثة أشهر، لا تقتصر على التجوال الاستطلاعي فقط، بل تشمل التفجيرات المحددة في مناطق حرجية وسكنية قرب الحدود، كما حدث في بلدة العديسة، حيث فُجر موقع حدودي الساعة الرابعة فجراً، بعد دخول القوات الإسرائيلية من بوابة "خلة المحافر".
نمط التوغلات الإسرائيلية
التوغلات الإسرائيلية عادة ما تكون سريعة، وتتم عبر آليات صغيرة تسلك طرقاً محددة داخل الأراضي اللبنانية، لتنفّذ العمليات قبل العودة إلى مواقعها داخل المناطق المحتلة. وقد بلغ أقصى عمق توغّل إسرائيلي نحو 1.5 كيلومتر داخل الأراضي اللبنانية في تموز الماضي، في سهل الماري جنوب شرقي البلاد.
في الشهر نفسه، نفذت القوات الإسرائيلية توغلات أخرى: الأولى باتجاه "مكب النفايات" جنوب بلدة عديسة بعد عبور وادي هونين، والثانية تجاوزت خط الانسحاب في خراج بلدة كفرشوبا - منطقة المجيدية، لمسافة 400 متر، مع إطلاق النار على رعاة الماشية. هذه العمليات المتكررة تبرز الطبيعة اليومية للانتهاكات الإسرائيلية، وما تعنيه من تحدي مستمر للسيادة اللبنانية، وتهديد للأمن المحلي والحدودي.
الجدل حول سلاح حزب الله
وسط هذه الانتهاكات المتكررة، يبرز الجدل السياسي حول سلاح حزب الله في لبنان. هناك مطالب متجددة من بعض القوى السياسية اللبنانية والمجتمع الدولي لسحب السلاح وتسليمه للدولة اللبنانية لتوحيد القوة العسكرية تحت سلطة الدولة. لكن الحزب يرفض هذه الدعوات، ويبرر موقفه بعدة أسباب رئيسية، أهمها غياب أي ضمانات لحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.
الحزب يرى أن إسرائيل لم تتوقف عن انتهاك السيادة اللبنانية، وأن القوات الإسرائيلية تواصل التوغلات اليومية، ما يجعل فكرة تسليم السلاح للدولة بلا ضمانات حماية فعّالة خطوة خطيرة. هذا المنطق يعكس واقعاً مؤلماً، حيث إن لبنان لا يمتلك حتى الآن قدرة حقيقية على الردع أو كبح الاعتداءات الإسرائيلية، خاصة مع الطبيعة اليومية للتوغلات والانتهاكات التي تمس المدنيين والبنى التحتية.
تداعيات سياسية وأمنية
يبقى السؤال الأساسي: كيف يمكن للدولة اللبنانية أن تضمن سيادتها وأمنها في ظل استمرار هذه الانتهاكات، وعدم قدرة أي طرف خارجي أو دولي على فرض رقابة على إسرائيل؟ هذا الواقع يعزز حجج حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه، ويرسخ جدلية القوى السياسية اللبنانية حول الحاجة إلى الردع الذاتي مقابل التسليم الكامل للقوة العسكرية للدولة.
السياسة اللبنانية اليوم محكومة بالمعادلة الصعبة بين الضغوط الداخلية والدولية الرامية لتوحيد السلاح، والواقع العملي للأمن على الحدود الجنوبية، حيث يشكل الاحتلال الإسرائيلي المستمر عامل تهديد مباشر على المدنيين والمزارعين والرعاة في مناطق الجنوب.
أثر التوغلات على المجتمع اللبناني
التوغلات المتكررة ليست مجرد حوادث حدودية عابرة، بل لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية ملموسة. المزارعون والرعاة يتعرضون للخطر يومياً، بينما تتعرض الممتلكات والأراضي الزراعية للدمار أو التدمير الممنهج، ما يزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار في المناطق الحدودية. كما أن الحوادث الأمنية المتكررة تضع الدولة اللبنانية أمام ضغط شعبي مستمر للقيام بمزيد من الإجراءات الأمنية، وهو ما يصعب تنفيذه دون وجود قدرة فعلية على الردع.