منذ ساعات الصباح الأولى، تصاعدت أعداد النازحين الفلسطينيين الذين غادروا مدينة غزة سيراً على الأقدام أو عبر وسائل نقل بدائية، بحثاً عن ملاذ آمن جنوب القطاع. المشهد بدا أقرب إلى نزوح جماعي قسري، حيث تتدفق العائلات على الطرقات محملة بما استطاعت حمله من متاع وحاجات أساسية، بينما القصف الإسرائيلي يواصل استهداف الأحياء السكنية.
في هذا السياق، خرجت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أولغا تشيريفكو، عبر مؤتمر صحافي من دير البلح، لتطلق تحذيراً وصفته بالأكثر خطورة منذ اندلاع الحرب. قالت بوضوح إن إسرائيل حكمت على مدينة غزة بالإعدام، مضيفة أن السكان يواجهون خيارين قاسيين: إما النزوح تحت التهديد أو البقاء والموت تحت القصف والجوع.
أوضحت تشيريفكو أن الأمم المتحدة تدير شبكة توزيع إنسانية واسعة داخل غزة، تضم أكثر من 400 مركز لتأمين المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية. غير أن استمرار العمليات العسكرية، إلى جانب الإغلاق شبه الكامل للمعابر، يضع هذه الشبكة على حافة الانهيار. وأكدت أن سكان غزة "لا يطلبون صدقات"، بل يطالبون بحق أصيل في الحياة بسلام وكرامة.
في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة سبعة أشخاص خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية نتيجة الجوع وسوء التغذية، بينهم طفلان، ليرتفع إجمالي الوفيات بسبب المجاعة إلى 420 ضحية، بينهم 145 طفلاً. هذه الأرقام تعكس مأساة إنسانية تتفاقم يومياً في ظل نقص الغذاء والماء والدواء.
على الجانب الآخر، يواصل الجيش الإسرائيلي إصدار بياناته التي تحث السكان على مغادرة المدينة. المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي أعلن أن أكثر من 250 ألف شخص نزحوا بالفعل من غزة، مؤكداً أن العمليات العسكرية ستتوسع "لحسم المعركة مع حماس". لكنه في الوقت نفسه حمّل الحركة مسؤولية عرقلة خروج المدنيين، متهماً إياها "بتعريض حياة الناس للخطر من أجل بقائها".
في الداخل الإسرائيلي، برزت أصوات معارضة لهذه الخطط، حيث حذرت قيادات أمنية من أن اجتياحاً برياً شاملاً لمدينة غزة سيترتب عليه مخاطر جسيمة على حياة الجنود، فضلاً عن التداعيات الدولية المحتملة. ورغم هذه التحذيرات، أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المصادقة على العملية العسكرية، في خطوة تكشف عن إصراره على حسم الصراع بالقوة مهما كانت الكلفة.
النازحون الذين غادروا بيوتهم وصفوا رحلتهم بأنها "طريق موت"، حيث يواجهون العطش وغياب وسائل النقل ونقص الملاجئ. كثيرون منهم عبروا عن مخاوفهم من أن الجنوب ليس آمناً كما تروج إسرائيل، في ظل الاكتظاظ الكبير وغياب الخدمات الأساسية.
هكذا، يقف الفلسطينيون في غزة اليوم أمام معادلة قاتلة: القصف المستمر من الجو والبر، المجاعة المتفاقمة، وانعدام الأفق السياسي. وبينما تصف الأمم المتحدة الوضع بأنه "حكم بالإعدام"، يصر الاحتلال الإسرائيلي على خيار القوة، في وقت يغيب فيه ضغط دولي جاد يمكن أن يوقف هذه الكارثة.