في اعتراف يُعدّ من أخطر الشهادات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على غزة، كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، هرتسي هاليفي، عن حصيلة مرعبة للضحايا الفلسطينيين تجاوزت 200 ألف قتيل وجريح. ورغم هول الكارثة الإنسانية، أقرّ هاليفي بأن القيود القانونية لم تحدّ يوماً من قراراته أو من مسار العمليات العسكرية، في تأكيد يثير جدلاً واسعاً حول حقيقة التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني.
خلال لقاء عُقد قبل أيام مع مستوطنين في أحد "الكيبوتسات" بجنوب إسرائيل، أوضح هاليفي الذي استقال في مارس الماضي أنّ أكثر من 10% من سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، سقطوا بين قتيل وجريح منذ 7 أكتوبر، وهو رقم يتقاطع إلى حدّ بعيد مع بيانات وزارة الصحة في غزة. هذه الأرقام – التي لطالما شككت بها إسرائيل ووصفتها بأنها "تابعة لحماس" – جاءت هذه المرة من أعلى مستويات القيادة العسكرية السابقة، لتمنحها مصداقية إضافية وتضع تل أبيب في موقف محرج أمام الرأي العام الدولي.
وأكد الجنرال السابق أنّ الحرب "ليست هادئة"، مشدداً على أنه كان ينبغي لإسرائيل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد القطاع قبل الهجوم الذي شنّته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر. ورغم ذلك، أصر على أنّ الجيش عمل "ضمن القانون الإنساني الدولي"، لكنه استدرك قائلاً إن المشورة القانونية لم تقيّده في أي لحظة، بل لم يكن لأي من المستشارين القانونيين سلطة تقييد قراراته.
وفي اعتراف لافت، أوضح هاليفي أن الدور الحقيقي للمحامين العسكريين يتمثل في إقناع العالم الخارجي بشرعية أفعال الجيش الإسرائيلي، أكثر من كونه رقابة داخلية على العمليات، وهو ما ينسف الرواية الرسمية التي طالما قدّمتها إسرائيل في المحافل الدولية.
مايكل سفارد، المحامي الإسرائيلي البارز في مجال حقوق الإنسان، علّق بأن تصريحات هاليفي تكشف حقيقة خطيرة: "المستشارون القانونيون ليسوا سوى ختم مطاطي لتبرير القرارات العسكرية وتلميعها أمام العالم"، مؤكداً أن القادة العسكريين يتعاملون معهم كمستشارين اختياريين، لا كجهة تفرض حدوداً قانونية واضحة.
هذا الجدل يأتي في وقت تتصاعد فيه الاتهامات الدولية لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب في غزة، وسط تقارير متكررة عن "مجاعة من صنع الإنسان" نتيجة الحصار الخانق والدمار الشامل للبنية التحتية. منظمات أممية وحقوقية طالبت بفتح تحقيقات عاجلة، فيما تزايدت الضغوط على الحكومات الغربية الداعمة لتل أبيب لمراجعة مواقفها.
يُذكر أن هاليفي كان قد تولى منصب رئيس الأركان في واحدة من أكثر الفترات دموية بتاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، قبل أن يقدّم استقالته تحت ضغوط سياسية وعسكرية في مارس الماضي. تصريحاته الأخيرة تمثل أول اعتراف رسمي على هذا المستوى القيادي بحجم المأساة الإنسانية في غزة، وتفتح الباب أمام أسئلة كبرى:
هل يمكن أن تفتح هذه الشهادة مساراً لمحاسبة قانونية دولية؟
وهل ما زالت إسرائيل قادرة على تسويق روايتها للعالم في ظل الحقائق التي يقر بها قادتها أنفسهم؟