قطر في عين العاصفة وإسرائيل خارج نصوص مجلس الأمن

2025.09.12 - 12:17
Facebook Share
طباعة

في سابقة دبلوماسية تكشف عمق التباينات داخل المجتمع الدولي، ندد مجلس الأمن الدولي بالهجوم الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة، لكنه تجنّب الإشارة المباشرة إلى إسرائيل، رغم أن جميع المؤشرات تشير إلى مسؤوليتها عن الغارة التي استهدفت قيادات من حركة "حماس". البيان، الذي حظي بموافقة جميع أعضاء المجلس الخمسة عشر، عكس إدراكًا جماعيًا بأن الضربة تمثل "تصعيدًا خطيرًا"، لكنه في الوقت نفسه كشف حدود قدرة المنظمة الأممية على تسمية الفاعل، في ظل الهيمنة الأميركية على القرار الدولي.

 

البيان الذي صاغته لندن وباريس شدّد على "التضامن مع قطر" و"دعم سيادتها وسلامة أراضيها"، لكنه ربط الأزمة بملف غزة، مؤكدًا أن "إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب" يمثلان أولوية قصوى. هذا الربط بين استهداف قطر والأزمة المستمرة في غزة اعتبره مراقبون محاولة لتخفيف وقع الضربة، وتحويل الأنظار عن المسؤول المباشر.

ويرى دبلوماسيون أن غياب ذكر إسرائيل يعكس تجنبًا مقصودًا لفتح مواجهة سياسية داخل المجلس، حيث أن أي إشارة صريحة قد تدفع واشنطن إلى استخدام الفيتو، ما كان سيعرقل إصدار البيان من الأساس.

 

روز ماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية، اعتبرت أن ما جرى "تصعيد صدم العالم"، مؤكدة أن استهداف الدوحة يفتح مسارًا جديدًا من المخاطر الأمنية. ووصفت قطر بأنها "شريك مهم للاستقرار"، ما يعني أن الأمم المتحدة ترى في استهدافها تهديدًا مباشرًا للجهود الدبلوماسية القائمة.
هذا الموقف يعدّ لافتًا، إذ أن الأمم المتحدة عادة ما تكتفي بتوصيفات عامة، لكن إشارة ديكارلو إلى قطر بوصفها "ضحية لتصعيد" تضع إسرائيل ضمنيًا في خانة الطرف المعتدي، حتى لو لم يُذكر اسمها في البيان.

 

مندوب الجزائر عمار بن جامع قدّم المداخلة الأشد لهجة، حيث اتهم إسرائيل بالتصرف "كأنها فوق القانون" ووصف الضربة بأنها "هجوم على الدبلوماسية والوساطة"، في إشارة إلى دور قطر المحوري في جهود التهدئة. بن جامع دعا المجلس إلى "استخدام كل الأدوات المتاحة لردع إسرائيل"، وهو تصريح يفتح الباب أمام تحركات قد تشمل المطالبة بجلسات طارئة أو مقترحات لعقوبات، رغم أن فرص تمريرها تبقى شبه معدومة في ظل الموقف الأميركي.

 

المفاجأة الكبرى تمثلت في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي نقلت عنه المندوبة الأميركية دوروثي شيا أنه اتصل بأمير قطر متعهدًا بألا يتكرر هذا النوع من القصف على الأراضي القطرية.
هذا الانتقاد العلني – وإن كان نادرًا – يعكس قلق الإدارة الأميركية من أن تؤدي سياسة نتنياهو "الهجومية" إلى تقويض مسار الوساطة الذي ترعاه واشنطن نفسها. وفي الوقت نفسه، أكدت شيا أن "القضاء على حماس هدف مشروع"، ما يظهر تناقضًا في الخطاب الأميركي بين دعم إسرائيل استراتيجيًا وبين رفض تجاوز الخطوط الحمراء في استهداف حلفاء مثل قطر.

وبحسب محللين أميركيين، فإن الإدارة تواجه ضغطًا متزايدًا من البنتاغون ووزارة الخارجية، التي ترى أن توسيع دائرة الحرب ليشمل قطر قد يضر مباشرة بالقواعد الأميركية المنتشرة في الخليج، وعلى رأسها قاعدة "العديد" الجوية التي تُعتبر الأهم إقليميًا للعمليات الأميركية.

 

الغارة التي أسفرت عن مقتل خمسة من قيادات "حماس"، بينهم نجل خليل الحية، وضعت الدوحة في موقع حساس. فهي من جهة لا تريد أن تتحول إلى ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل و"حماس"، ومن جهة أخرى تخشى أن يُفهم استهدافها كإضعاف لدورها الوسيط.

وقد حذّر خبراء في شؤون المنطقة من أن الضربة قد "تُفجّر" الثقة بين قطر وإسرائيل، خصوصًا أن الدوحة لعبت لسنوات دور القناة الخلفية بين الحركة الفلسطينية والعواصم الغربية. وإذا ما فقدت قطر هذا الدور، فإن جهود وقف إطلاق النار في غزة ستتعثر بشكل شبه كامل.

 

منذ هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، دخل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مرحلة غير مسبوقة من التصعيد، امتدت من غزة إلى لبنان وسوريا، ثم إلى العمق الإيراني. لكن استهداف قطر يمثل سابقة نوعية؛ فهي ليست طرفًا مباشرًا في الحرب، بل طرف وسيط معترف به دوليًا.


هذا التطور يعيد للأذهان سلوك إسرائيل في عقود سابقة حين استهدفت قيادات فلسطينية في عواصم عربية مثل تونس ودمشق وبيروت. الجديد هذه المرة أن الضربة جاءت في قلب الخليج العربي، المنطقة التي تستضيف أكبر تمركز للقوات الأميركية خارج أراضيها.
ويرى مراقبون أن "تجاوز إسرائيل للخطوط" يضع علاقتها مع إدارة ترامب على المحك، وقد يفتح نقاشًا داخليًا في واشنطن حول حدود الدعم الأميركي لتل أبيب في حربها المفتوحة مع "حماس".


خلاصة المشهد أن بيان مجلس الأمن – رغم دبلوماسيته – عكس إدراكًا جماعيًا بأن استهداف قطر يشكل منعطفًا خطيرًا. لكنه أيضًا كشف حدود قدرة النظام الدولي على محاسبة إسرائيل بشكل مباشر. وبين انتقاد ترامب النادر، وتحذيرات الأمم المتحدة، وتصعيد الجزائر، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتوقف إسرائيل عند هذا الحد، أم أن الضربة على الدوحة ستكون مجرد بداية لمسار جديد من المواجهات قد يغير خريطة التوازنات في الشرق الأوسط؟

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 8