تسلط المداهمات في شرق ليبيا الضوء على الوجه القاسي لشبكات تهريب البشر التي تعمل بانتهاك صارخ للحقوق الإنسانية. في أمساعد، تم تفكيك وكر استخدمه مهربون لاحتجاز 160 مهاجراً في حظائر للماشية، في ظروف تفتقر لأبسط مقومات الحياة، تأتي هذه الحوادث في سياق أزمة أوسع تعاني منها ليبيا منذ سنوات، نتيجة الانفلات الأمني وانتشار الميليشيات المسلحة بعد عام 2011، ما مكن شبكات التهريب من الانتشار واستغلال المهاجرين بشكل واسع.
تفاصيل الحادثة وفق بيان جهاز البحث الجنائي فرع أمساعد، داهمت السلطات الأمنية المخيم السري للمهاجرين بعد تلقي معلومات دقيقة عن وجود تجمع غير مخصص للسكن أثناء المداهمة، تم ضبط 145 مصرياً و15 سودانياً محتجزين داخل حظائر للماشية، حيث كانوا يتعرضون لضغوط وإكراه شديد بهدف انتزاع أموالهم مقابل إطلاق سراحهم وتهريبهم خارج البلاد.
وأكدت السلطات أنها اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة لإحالتهم إلى جهات الاختصاص لمتابعة التحقيق والتصرف وفق القانون.
إلى جانب ذلك، ضبطت مديرية أمن أجدابيا سبعة سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، وتم التحفظ عليهم تمهيداً لإحالتهم إلى جهاز الهجرة غير المشروعة.
تأتي العمليات بعد سلسلة من الإجراءات السابقة في غرب ليبيا لترحيل عشرات المهاجرين، في إطار ما يعرف بـ"خطة الترحيل الطوعي والعودة الآمنة"، ما يعكس محاولة السلطات تخفيف الأعباء الأمنية والإنسانية الناجمة عن تدفق المهاجرين.
خلفيات الأزمة:
تتفاقم أزمة المهاجرين في ليبيا بسبب الفوضى الأمنية المستمرة منذ سقوط النظام السابق، وانتشار الميليشيات المسلحة والتهريب المنظم للبشر وتعمل شبكات الاتجار بالبشر مع تجاهل شبه كامل من بعض السلطات المحلية، ما أتاح لهم إنشاء معتقلات سرية في مناطق نائية، بما في ذلك حظائر للماشية ومباني مهجورة.
وفق تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، فقد لقي ما لا يقل عن 60 مهاجراً، بينهم نساء وأطفال، حتفهم بعد غرق قاربين قبالة الساحل الليبي في 18 يونيو الماضي، كما تشير التقارير إلى أن ما يقارب 7 آلاف مهاجر نيجيري ما زالوا عالقين في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء ليبيا، مع ظروف معيشية صعبة وخطر مستمر على حياتهم وسلامتهم.
الاستغلال والتهريب:
تكشف الحوادث الأخيرة في أمساعد عن أسلوب ممنهج لتهريب البشر، يعتمد على التضييق والضغط النفسي لاستغلال المهاجرين، استخدام الحظائر كأماكن احتجاز يعكس عدم الاكتراث بحياة البشر وكرامتهم، كما أن الشبكات تفرض رسوماً عالية مقابل الإفراج عن المحتجزين، مما يجعلهم ضحايا مزدوجين لكل من الابتزاز والتجويع.
الأمر لا يقتصر على الجانب الليبي المحلي، إذ تشير تقارير متعددة إلى تورط جهات خارجية في دعم هذه الشبكات، خصوصاً من خلال توفير معلومات استخباراتية أو تسهيلات لعمليات التهريب عبر الحدود البحرية. ويشير الخبر إلى أن المهاجرين يتعرضون للضغط النفسي والابتزاز المالي، وهو ما يفاقم آثار الصراع الداخلي والفوضى الأمنية في البلاد.
من منظور حقوقي، تعتبر هذه الممارسات انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقيات منع الاتجار بالبشر وحماية اللاجئين والمهاجرين. وتبرز الحاجة الملحة لتطبيق القانون، وتحسين ظروف الاحتجاز، وضمان عدم استغلال المهاجرين من قبل أي جهة كانت.
يرى مراقبون بسرعة ايجاد حلولاً شاملة تجمع بين الإجراءات الأمنية والإنسانية والدبلوماسية، تعزيز التعاون الدولي، مراقبة الحدود، ودعم برامج إعادة التوطين والعودة الآمنة، كلها عناصر أساسية للحد من هذه الظاهرة، وضمان حماية حقوق المهاجرين وحياتهم، بعيدًا عن الاستغلال والعنف.