الملف اللبناني عاد إلى الواجهة مع زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، حيث تصدرت قضية الجنوب واجهة النقاش في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية وتعثر تنفيذ القرار 1701 الرئيس جوزيف عون ركز خلال اللقاء على الخطة الأمنية التي يعمل الجيش على تطبيقها، موضحاً أن الانتشار جنوب الليطاني يصطدم ببقاء الاحتلال في بعض النقاط الحدودية، في وقت تراهن فيه الدولة على أن يشكل الدعم الفرنسي سنداً للجيش في مهماته.
عون أشار إلى أن الجيش ينفذ أوامر صارمة بمصادرة الأسلحة غير الشرعية وإقامة الحواجز ونقاط التفتيش، في محاولة لتكريس سلطة الدولة وتعزيز الاستقرار، لكنه شدّد على أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يحول دون استكمال الخطة. وذكر بأن لبنان طالب مراراً بتطبيق الاتفاقات السابقة وإطلاق الأسرى، من دون أن يلقى استجابة من الجانب الإسرائيلي.
لودريان من جهته حمل رسالة دعم واضحة من باريس، مؤكداً أن فرنسا تواصل العمل لعقد مؤتمرين دوليين، أحدهما مخصص لتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية والآخر للنهوض الاقتصادي. هذا الموقف يعكس استمرار الرهان الفرنسي على الجيش كعنصر توازن داخلي أساسي في وقت يواجه فيه لبنان ضغوطاً اقتصادية خانقة وانقسامات سياسية عميقة.
كما اعتبر الرئيس اللبناني أن تجديد ولاية قوات "اليونيفيل" خطوة ضرورية للحفاظ على الهدوء النسبي جنوباً، إذ توفّر هذه القوات مظلة لمهام الجيش، فيما تمنح الفترة الإضافية المقررة بيروت فرصة لتعزيز قدراتها العسكرية، شرط توقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تُبقي الحدود في حالة توتر دائم.
لكن التحدي الأبرز يبقى اقتصادياً. فمنذ انهيار 2019، يعاني لبنان أزمة مالية غير مسبوقة أنهكت مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، الذي يجد صعوبة في تأمين رواتب عناصره وصيانة قدراته التشغيلية.
من هنا، تتطلع بيروت إلى أن يقترن الدعم العسكري بمساعدات مالية واقتصادية تساعدها على إطلاق إصلاحات طال انتظارها.
منذ حرب تموز 2006، لعبت فرنسا دوراً محورياً في دعم الجيش وتعزيز مهام "اليونيفيل"، فيما حاول الرئيس إيمانويل ماكرون منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020 وضع لبنان في صدارة أولويات المجتمع الدولي عبر مبادرات لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتأمين مساعدات خارجية، لكن معظم هذه الجهود بقيت رهينة الانقسامات الداخلية وتأخر الإصلاحات وفي موازاة البعد الأمني، قاد ماكرون مؤتمرات اقتصادية أبرزها "سيدر" عام 2018 الذي وُعد من خلاله بمليارات الدولارات، غير أن الأموال لم تصل بسبب غياب خطوات إصلاحية ملموسة.
هذا السياق يضع الاجتماع الأخير بين عون ولودريان ضمن مسار طويل من المحاولات الفرنسية للإبقاء على استقرار لبنان، عبر الجمع بين دعم الجيش كضمانة أمنية، والدفع نحو إصلاحات اقتصادية كمدخل لإعادة الثقة الدولية. وبين ضغوط الاحتلال الإسرائيلي وتعثر الداخل اللبناني، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت المؤتمرات المقبلة ستشكل فعلاً فرصة للإنقاذ أم مجرد جولة جديدة من الوعود المؤجلة!