أقدمت الحكومة البريطانية على خطوة مفاجئة بإقالة سفيرها لدى الولايات المتحدة، بيتر ماندلسون، بأثر فوري، بعد انتشار معلومات جديدة تكشف عن علاقته بالمدان جيفري إبستين، الذي أثارت قضيته منذ سنوات جدلاً واسعاً حول شبكة الاتجار الجنسي بالقاصرات والصلات المشبوهة لأسماء بارزة من المشاهير والسياسيين.
وأكد ستيفن دوتي، وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية، أمام مجلس العموم أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر طلب من وزير الخارجية سحب ماندلسون من منصبه، وذلك "في ضوء المعلومات الإضافية الواردة في رسائل البريد الإلكتروني التي كتبها السفير"، والتي أظهرت ما وصفه دوتي بأنه "عمق ومدى العلاقة مع إبستين بما يفوق ما كان معروفاً سابقاً".
وكان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، قد دافع عن السفير بيتر ماندلسون خلال جلسة المساءلة الأسبوعية للحكومة أمام البرلمان يوم الأربعاء، مؤكداً على نزاهته ومهنية عمله طوال فترة توليه منصبه، ومشيراً إلى أن أي مزاعم حالية لا تستند إلى أدلة مؤكدة بعد. لكن سرعان ما تكشفت مستجدات جديدة تتعلق برسائل بريد إلكتروني أظهرت علاقات أعمق وأكثر حساسية بين ماندلسون وجيفري إبستين، مما دفع الحكومة إلى إعادة تقييم موقفها بشكل عاجل واتخاذ قرار الإقالة.
هذا التحول المفاجئ يعكس بوضوح حساسية الحكومة البريطانية تجاه أي ارتباطات محتملة لمسؤولين رفيعي المستوى بشبكات تورطت في قضايا جنسية دولية، ويبرز الرغبة في الحفاظ على سمعة البلاد الدبلوماسية والأخلاقية على حد سواء. كما يوضح مدى الضغوط السياسية والإعلامية التي تواجهها لندن في إدارة ملفات حساسة، حيث أصبح أي تورط سابق لمسؤولين كبار قضية قابلة لإحداث أزمة دبلوماسية كبيرة، خاصة إذا ارتبطت بالشخصيات أو القضايا التي تحظى باهتمام عالمي، كما هو الحال مع قضية إبستين.
تعود قضية جيفري إبستين إلى عام 2005، حين أُدين لأول مرة بممارسة الدعارة مع قاصر، لتصبح نقطة انطلاق للتحقيقات في شبكة اتجار واسعة بالقاصرات والأحداث الجنسية المشبوهة التي تورط فيها شخصيات بارزة على مستوى العالم. ورغم مرور السنوات، بقيت القضية في البداية محدودة التأثير الإعلامي، قبل أن تعود إلى الواجهة بشكل كبير بعد اعتقال إبستين مرة ثانية وبدء محاكمته بتهم الاتجار الجنسي بالقاصرات، حيث أظهرت التحقيقات حجم الشبكة وتعقيداتها، وشملت أسماء بارزة من الشخصيات العامة والمشاهير، الذين كان بعضهم يزور ما عُرف بـ"جزيرة إبستين"، الواقعة في البحر الكاريبي قبالة ساحل سانت توماس، والتي أصبحت رمزاً للفضائح والتجاوزات.
أدى هذا الملف إلى حالة من الاهتمام الإعلامي العالمي، لما كشف عنه من علاقات مشبوهة بين السياسيين والمشاهير، وتسبب في إحداث صدمة لدى الرأي العام حول مدى اختراق الشبكات الإجرامية للدوائر الرفيعة في المجتمع والسياسة. ومع العثور على جثة إبستين داخل سجنه عام 2019، تصاعدت نظريات المؤامرة وبدأت التكهنات حول احتمال تورط شبكات أوسع وأكثر تعقيداً في أنشطة غير قانونية تمتد خارج الولايات المتحدة، بما في ذلك تأثيرها المحتمل على الساسة والدبلوماسيين على مستوى عالمي.
ورداً على هذا الغضب والفضول الدولي، تعهد المرشح الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، بالكشف عن كافة تفاصيل الملف ونشر الوثائق المتعلقة به في حال فوزه بالرئاسة، وهو ما ساهم في زيادة الاهتمام الإعلامي والرقابي بالقضية، وأعاد تسليط الضوء على الأبعاد الأخلاقية والسياسية للقضية، ليس فقط داخل الولايات المتحدة بل على الساحة الدولية أيضاً، مما جعل قضية إبستين واحدة من أكثر الملفات المثيرة للجدل والتوتر السياسي في العقدين الأخيرين.
تأتي خطوة الإقالة وسط تزايد الضغط السياسي والإعلامي على الحكومة البريطانية لضمان شفافيتها ومحاسبة أي مسؤولين يرتبطون بقضايا حساسة تمس الأخلاق العامة والعلاقات الدولية. كما يسلط القرار الضوء على مدى تأثير شبكة إبستين التي تجاوزت الولايات المتحدة لتطال كبار المسؤولين حول العالم، بما في ذلك السفراء والدبلوماسيين البارزين.
وبينما يواصل البرلمان البريطاني متابعة تبعات القضية، تظل التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين ماندلسون وإبستين مفتوحة، خصوصاً بعد ظهور رسائل البريد الإلكتروني التي قادت إلى قرار الإقالة المفاجئ، وما إذا كانت هناك ضغوط دولية أو داخلية ساهمت في تسريع هذه الخطوة.