نشرت صحيفة جيروزالم بوست تقريرًا مفصلًا عن ظهور جماعة مسلحة جديدة تحمل اسم "رجال النور – سرايا الجواد" على الساحل السوري الغربي في أوائل أغسطس/آب 2025. الجماعة أعلنت عن عمليات ضد القوات الحكومية، ما أثار جدلاً واسعًا حول هويتها وأهدافها الحقيقية، وهل هي فصيل محلي مستقل أم أداة دعائية تستخدمها أطراف إقليمية لتعطيل الأمن والاستقرار.
بحسب التقرير، لم يقتصر الظهور الأول على بيان رسمي، بل رافقته مقاطع فيديو تظهر انفجارات وهجمات على مواقع حكومية وأمنية، دون تمكن الصحيفة من التحقق المستقل من صحة التوقيت أو مصدر اللقطات. في 2 أغسطس/آب، أطلقت الجماعة صفحة على فيسبوك، نشرت خلالها مقاطع قصيرة تظهر تفجيرات سيارات وعبوات ناسفة على الطرق، بما في ذلك هجوم بالقرب من مصنع الصلب في جبلة بريف اللاذقية.
تركزت منشورات الجماعة على خطاب وطني وشعارات مرتبطة بالجيش السوري، في محاولة لتأسيس هوية رمزية ودينية وقومية، بدلًا من الظهور كفصيل عابر. وفي أول مقطع لها، خاطبت الجماعة ما سمتهم "بيادق الجولاني – داعش والنصرة"، معلنةً: "من اليوم، لن يكون بيننا سوى الكلام: اتركوا الساحل".
وأشارت جيروزالم بوست إلى أن السلطات السورية شنت عمليات تمشيط في ريف طرطوس بعد اغتيال عنصرين من قوى الأمن الداخلي، وأسفرت الحملة عن اعتقالات ومصادرة أسلحة وذخيرة. وبحلول 3 سبتمبر/أيلول، نشرت الجماعة تسجيلًا لانفجار سيارة قالت إنها تابعة لمديرية الأمن العام، مؤكدة أن التنفيذ تأجل عدة مرات لتجنب سقوط ضحايا مدنيين.
العميد المتقاعد خالد منصور صرح لـ"ذا ميديا لاين" أن "سرايا الجواد" تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي عبر استغلال التدهور الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدًا أن الهجمات، رغم محدوديتها، تشكل تهديدًا نفسيًا وقد تفتح الباب لهجمات على مسؤولين وشخصيات عامة، ما يستدعي تدابير أمنية عاجلة.
الباحث المستقل سامر نهاد أضاف أن الجماعة تعكس توترًا اجتماعيًا متراكمًا في الساحل، نتيجة الضغوط الاقتصادية والبطالة والهجرة، وقد تكون تكتلًا صغيرًا يستغل الثغرات الأمنية والإحباط الشعبي، وليس تنظيمًا مدعومًا من الخارج. وحذر نهاد من أن الاعتماد على الإجراءات الأمنية وحدها قد يزيد الأزمة سوءًا، مشددًا على ضرورة معالجة الجذور الاجتماعية والسياسية.
الغموض حول حجم الجماعة وهيكلها التنظيمي
حتى الآن، لم تكشف "سرايا الجواد" عن حجمها أو هيكلها التنظيمي، واكتفى ظهورها عبر مقاطع فيديو ومنشورات على فيسبوك. وتعتقد التحليلات أنها قد تكون فصيلًا محليًا صغيرًا أو مشروعًا إعلاميًا يهدف إلى إيهام الرأي العام بأنها تنظيم أكبر.
اختيار اسم "رجال النور – سرايا الجواد" يعكس دمج إشارات رمزية ودينية وقومية، وربما لكسب الشرعية الأخلاقية لدى الجماهير المحلية والخارجية. وبين الرواية الرسمية التي تصف الجماعة بخلايا إرهابية، وقراءة مستقلة تراها نتيجة ضغوط اجتماعية وسياسية، تظل "سرايا الجواد" عاملًا ناشئًا يزيد تعقيد المشهد السوري في الساحل، الذي كان يُعتبر سابقًا منطقة آمنة نسبيًا.
يشكل ظهور "سرايا الجواد" اختبارًا لقدرة الدولة السورية على المحافظة على الاستقرار في الساحل الغربي، ويطرح أسئلة حول تأثير الجماعات الناشئة على المشهد الإقليمي، سواء أكانت فصائل مسلحة محلية صغيرة أم أدوات إعلامية واستراتيجية تستخدمها جهات إقليمية لتحقيق أهداف سياسية. مراقبة نشاط الجماعة، وتحليل مصادر تمويلها، وتقييم تحركاتها العسكرية والإعلامية ستكون مؤشرات حاسمة لتحديد ما إذا كانت مجرد ظاهرة إعلامية قصيرة المدى أم فصيلًا مسلحًا حقيقيًا يهدد الاستقرار على المدى الطويل.