رفضت لجنة القواعد والأحكام في مجلس النواب الأميركي التعديل المقترح من النائب الجمهوري جو ويلسون لإلغاء "قانون قيصر"، رغم أنه كان قد حصل على دعم واسع من نواب الحزبين. القرار، الذي صدر الثلاثاء، جاء ضمن إطار مناورات سياسية أوسع داخل الكونغرس تتعلق بتمرير موازنة وزارة الدفاع المتصلة بالسياسة الخارجية.
المجلس السوري الأميركي أوضح في بيان أن اللجنة وافقت على 299 تعديلًا فقط من أصل أكثر من 1100 تعديل مقترح، وهو أدنى عدد يتم تمريره منذ عام 2018. وأكد البيان أن رفض التعديل المتعلق بـ"قانون قيصر" لم يكن مرتبطًا بمضمونه أو بالملف السوري، وإنما نتيجة اتفاق داخلي عقده رئيس مجلس النواب مايك جونسون مع الديمقراطيين لتفادي خلاف حزبي قد يعرقل تمرير الموازنة.
جونسون برّر موقفه بضعف الأغلبية الجمهورية، إذ لا يفصل الحزب عن الديمقراطيين سوى بضعة مقاعد، ما يجعل أي تمرد داخلي من نواب مثل مارجوري تايلور غرين أو توم ماسي كفيلًا بإسقاط مشروع الموازنة.
المجلس السوري الأميركي: المعركة لم تُحسم
رغم الانتكاسة، أكد المجلس السوري الأميركي أن إلغاء قانون قيصر لا يزال مطروحًا من خلال نسخة مجلس الشيوخ لمشروع الموازنة، حيث تمكن من إدراج مادة خاصة بإلغائه هناك. لكنه شدد على أن هذا يتطلب "مضاعفة الجهود حتى نهاية العام"، مذكرًا بأن القانون نفسه أُضيف أو جُدّد في السابق بطرق استثنائية في اللحظات الأخيرة.
ودعا المجلس الجالية السورية في الولايات المتحدة إلى تكثيف الضغوط على أعضاء الكونغرس لضمان تمرير التعديل هذه المرة، واصفًا المسعى بأنه "وطني مشرّف".
جو ويلسون: تفاؤل مشروط
النائب الجمهوري جو ويلسون أبدى تفاؤلًا بأن الكونغرس سيتمكن قريبًا من تمرير مشروع إلغاء "قانون قيصر"، مشيرًا إلى أن الأمر قد يدرج على جدول أعمال مجلس الشيوخ في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني خلال الأيام المقبلة.
وفي تصريحات خاصة لصحيفة العربي الجديد، أكد ويلسون أنه "حثّ أعضاء الكونغرس على دعم إلغاء العقوبات"، لكنه ربط ذلك بضمان قيام دولة سورية موحدة تشمل جميع المكونات: البدو والدروز والعلويين والأكراد. كما أثنى على قرارات الرئيس السابق دونالد ترامب المتعلقة برفع بعض العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ عقود.
الجدل حول قانون قيصر يعكس التوازنات المعقدة داخل الكونغرس الأميركي، حيث تتداخل الحسابات الحزبية مع السياسات الخارجية. فبينما ترى بعض الأطراف أن العقوبات أداة ضغط على النظام السوري، يعتبرها آخرون عائقًا أمام إعادة الإعمار وعودة الاستقرار.
ورغم أن مصير إلغاء القانون لم يُحسم بعد، فإن إدراجه ضمن مداولات موازنة الدفاع الأميركية يفتح الباب أمام نقاش أوسع قد يشهد تطورات حاسمة قبل نهاية العام.
"قانون قيصر"
صدر "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" عام 2019 ودخل حيّز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020، بعد أن أُدرج في قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي. وقد استمد اسمه من الضابط المنشق عن النظام السوري المعروف بـ"قيصر"، الذي سرّب آلاف الصور لمعتقلين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام.
يهدف القانون إلى تشديد العقوبات الاقتصادية والمالية على الحكومة السورية، وعلى أي جهات أو دول أو شركات أجنبية تتعاون معها في مجالات الطاقة، الإعمار، الطيران، والقطاعين العسكري والأمني. وتشمل العقوبات:
تجميد أصول في الولايات المتحدة.
منع التعامل مع النظام أو الداعمين له.
فرض قيود على البنوك والشركات الدولية التي تدخل في مشاريع مع دمشق.
الأهداف المعلنة
بحسب الإدارة الأميركية حينها، صُمم القانون للضغط على النظام السوري ودفعه إلى:
1. وقف القصف والاعتقالات التعسفية ضد المدنيين.
2. الانخراط في عملية سياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254.
3. محاسبة مرتكبي الانتهاكات وضمان عودة اللاجئين بأمان.
التداعيات الاقتصادية
منذ تطبيقه، شكّل القانون ضربة قوية للاقتصاد السوري المنهك أصلًا، حيث:
انهارت قيمة الليرة السورية بشكل غير مسبوق.
ارتفعت معدلات التضخم والبطالة.
تضررت القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والوقود والبنية التحتية.
كما أثّر بشكل غير مباشر على حلفاء النظام (إيران، روسيا، وحزب الله) الذين واجهوا صعوبة في الاستثمار أو تمويل مشاريع داخل سوريا.
الجدل حول القانون
المؤيدون: يرون أنه وسيلة فعّالة للضغط على النظام وحلفائه للقبول بحل سياسي، ويعتبرونه أداة لحماية المدنيين عبر تقييد قدرة النظام على تمويل آلته العسكرية.
المعارضون: يجادلون بأن القانون زاد من معاناة الشعب السوري العادي، حيث ساهم في ارتفاع أسعار السلع الأساسية وأعاق جهود إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، بينما بقي النظام قادرًا على الالتفاف على العقوبات عبر شبكات تهريب وتحالفات إقليمية.
محاولات إلغائه أو تعديله
منذ إقراره، ظهرت مبادرات داخل الكونغرس لإلغائه أو على الأقل تخفيف قيوده:
بعض النواب يرون أن القانون بات عقبة أمام إعادة دمج سوريا في محيطها العربي وإعادة إعمارها.
آخرون يصرون على أن أي تغيير فيه يجب أن يقترن بتنازلات ملموسة من النظام السوري.
ولذلك، يظل قانون قيصر نقطة توتر دائمة في السياسة الأميركية تجاه سوريا، بين تيارات تدفع نحو الاستمرار في الضغط، وأخرى تميل إلى مقاربة أكثر براغماتية تسمح بفتح مسارات سياسية واقتصادية جديدة.
مقارنة مع العقوبات الأميركية السابقة على سوريا
رغم أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على دمشق منذ عام 1979 بعد إدراجها على قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، إلا أن قانون قيصر يُعد الأكثر شمولًا وتأثيرًا لعدة أسباب:
1. نطاق الاستهداف
العقوبات السابقة كانت تركز على قطاعات أو شخصيات محددة، مثل حظر تصدير الأسلحة أو التعاملات المالية مع شخصيات من النظام.
بينما جاء "قانون قيصر" ليشمل جميع القطاعات الحيوية (الطاقة، الطيران، البناء، البنوك)، ويمتد تأثيره إلى أي جهة أجنبية تتعاون مع دمشق.
2. الأثر العابر للحدود
العقوبات القديمة كانت محصورة في الإطار الأميركي، ما جعل من الممكن لبعض الدول أو الشركات الالتفاف عليها.
أما قانون قيصر فاعتمد مبدأ العقوبات الثانوية، أي أنه يعاقب حتى الشركات أو الحكومات الأجنبية (من خارج أميركا) إذا تعاملت مع النظام السوري، ما وسّع من دائرة العزلة الدولية على دمشق.
3. الطابع الإنساني – السياسي
العقوبات السابقة بُرّرت في إطار "محاربة الإرهاب" أو الرد على سياسات النظام الإقليمية.
في حين رُوّج لقانون قيصر على أنه أداة "لحماية المدنيين السوريين"، بالاستناد إلى صور "قيصر" التي وثقت جرائم التعذيب، ما أكسبه بعدًا إنسانيًا وظّفه صانعو القرار في واشنطن لكسب تأييد حزبي واسع.
4. التأثير الاقتصادي المباشر
العقوبات التقليدية حدّت من قدرات النظام لكنها لم تمنع تدفق التمويل أو الدعم من حلفاء مثل إيران.
أما قانون قيصر فقد أصاب النظام في العمق الاقتصادي: أدى إلى انهيار العملة السورية، تعطيل الاستثمارات، وتجميد أي جهود لإعادة الإعمار بتمويل دولي أو إقليمي.
بهذا المعنى، يمكن اعتبار "قانون قيصر" نقطة فاصلة في تاريخ العقوبات الأميركية على سوريا، إذ انتقل من سياسة ضغط جزئية إلى آلية حصار شامل تستهدف بقاء النظام ماليًا واقتصاديًا. وهو ما جعل القانون موضوعًا دائمًا للجدل بين من يعتبره أداة ردع سياسية، ومن يراه عقوبة جماعية تزيد من مأساة السوريين.