شهدت دمشق توقيع اتفاق محوري بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية ووفد لبناني رسمي، تمحور حول إعادة تأهيل وتفعيل المعابر الحدودية المشتركة بين البلدين. هذا الاتفاق لا يقتصر على البعد الخدمي المرتبط بحركة المسافرين والتبادل التجاري، بل يمثل محطة جديدة في مسار العلاقات السورية–اللبنانية، ويعيد فتح الباب أمام دور إقليمي أوسع للمعابر التي طالما شكلت رئة اقتصادية وحيوية بين البلدين.
المباحثات شملت جميع المعابر الحدودية: جديدة يابوس، جوسية، العريضة، الدبوسية، وجسر قمار. وتم الاتفاق على إعادة بناء الجسر في معبر الدبوسية بإشراف مديرية المنشآت والصيانة في الهيئة العامة، وبدعم من منظمة الهجرة الدولية وبالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والنقل اللبنانية. كما تم الاتفاق على إعادة تأهيل الجسر القائم في معبر العريضة.
إلى جانب ذلك، تقرر تفعيل معبر جسر قمار لتعزيز حركة تنقل المواطنين، وفتح المجال أمام الشاحنات التجارية عبر معبر جوسية خلال الفترة المقبلة، بما يسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية وتخفيف الأعباء على التجارة.
أكد الجانبان أن إعادة تأهيل وتفعيل المعابر سيؤدي إلى تنشيط التبادل التجاري، وتخفيف كلفة النقل على التجار، ومعالجة المشكلات القائمة في الإجراءات الجمركية، إضافة إلى رفع مستوى الأداء داخل المعابر. كما شدد الطرفان على أهمية توسيع شرائح السوريين المسموح لهم بالدخول إلى لبنان، بما يعزز التفاعل الإنساني والاجتماعي والاقتصادي.
هذا الاتفاق يأتي في سياق تفاهمات سابقة أعلنتها اللجنة السورية–اللبنانية المشتركة للنقل البري في أغسطس الماضي، حيث تم التوصل إلى تفاهمات حول إعفاء الشاحنات ومركبات النقل العام من رسوم الدخول والخروج، وتأكيد الالتزام باتفاقية انتقال الأشخاص والبضائع الموقعة بين البلدين عام 1993.
كما ناقشت اللجنة حينها إتاحة وصول الشاحنات اللبنانية إلى أسواق لا تغطيها الشاحنات السورية، والسماح بدخول الحافلات السورية فارغة إلى الأراضي اللبنانية ضمن ضوابط محددة، إلى جانب التحضير لتوقيع اتفاق جديد ينسجم مع الاتفاقية العربية للنقل بالعبور (الترانزيت).
رغم الطابع الخدمي والاقتصادي للاتفاق، إلا أن أبعاده السياسية واضحة. فبالنسبة للبنان، يمثل الاتفاق فرصة استراتيجية لتخفيف الضغوط الاقتصادية وفتح متنفس بري آمن في ظل أزماته الداخلية. أما سوريا، فترى في تفعيل هذه المعابر وسيلة لإعادة إدماجها تدريجيًا في محيطها العربي، وإثبات قدرتها على لعب دور إقليمي محوري لا يمكن تجاوزه.
حضور مسؤولين أمنيين لبنانيين مثل مسؤول الارتباط في الجيش اللبناني ميشال بطرس يعكس أيضًا أن الملف لا ينفصل عن بعد أمني حساس يتعلق بضبط الحدود ومكافحة التهريب. وهو ما يبرز أن المعابر باتت ملفًا استراتيجيًا يتجاوز الجانب الاقتصادي إلى تعزيز السيادة والتنسيق الأمني المشترك.
آفاق مستقبلية وربط إقليمي
تفعيل المعابر بين سوريا ولبنان لا يتوقف عند كونه تعاونًا ثنائيًا، بل يفتح الباب أمام مشاريع الربط الإقليمي. فهذه المعابر يمكن أن تتحول إلى عقدة محورية في شبكات النقل التي تسعى لربط موانئ المتوسط بأسواق الخليج عبر الممرات السورية والعراقية والأردنية.
بذلك، يشكل الاتفاق خطوة تأسيسية لإحياء مشاريع "الترانزيت" الإقليمي التي ستعزز مكانة سوريا ولبنان كجسر استراتيجي للتجارة بين الشرق والغرب، وتعيد إدماجهما في المعادلات الاقتصادية الكبرى للمنطقة.
يمثل الاتفاق السوري–اللبناني حول المعابر الحدودية أكثر من مجرد تفاهم تقني حول إعادة تأهيل جسور أو تسهيل مرور الشاحنات. إنه خطوة استراتيجية تعيد صياغة العلاقة بين البلدين في ضوء تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية متشابكة، وتضع المعابر في قلب مشروع تكامل إقليمي قد يعيد رسم خريطة النقل والتجارة في المشرق العربي.