لم يعد الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية محصوراً في غزة أو حدود لبنان، بل امتد إلى قلب العواصم العربية مع استهداف الدوحة بهجوم صاروخي وصفته قطر بأنه "عدوان جبان". هذا التطور غير المسبوق فتح باب التساؤلات حول مستقبل الأمن الإقليمي، ومدى قدرة المجتمع الدولي على كبح جماح إسرائيل التي باتت تنقل ساحة المواجهة إلى أراضٍ عربية سيادية، ما ينذر بتوسيع رقعة الحرب وإشعال المنطقة بأكملها.
قطر ترفع الصوت في مجلس الأمن
في رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، شددت الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوبة الدائمة لدولة قطر، على أن الاعتداء يمثل "انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية" و"تهديداً خطيراً لأمن المواطنين والمقيمين". وطالبت بتعميم الرسالة كوثيقة رسمية وإدراجها ضمن وثائق المجلس، في خطوة دبلوماسية تهدف إلى تحميل إسرائيل مسؤولية مباشرة أمام المجتمع الدولي.
تحركات داخلية عاجلة
لم تنتظر الدوحة طويلاً، إذ أعلنت السلطات القطرية أن الأجهزة الأمنية والدفاع المدني باشرت فوراً التعامل مع تداعيات الهجوم. تم اتخاذ إجراءات طارئة لضمان سلامة المدنيين وحماية المناطق المحيطة، بينما تتواصل التحقيقات على أعلى المستويات. وأكدت قطر أنها بصدد الكشف عن تفاصيل إضافية في وقت لاحق، ما يعكس إصرارها على توثيق الاعتداء وتقديمه كدليل دامغ أمام المحافل الدولية.
أبعاد سياسية وأمنية أوسع
الرسالة القطرية حملت ثلاث رسائل أساسية:
سيادية: رفض مطلق لاستهداف أراضيها باعتباره تجاوزاً لخط أحمر.
إقليمية: تحذير من أن الاعتداء قد يفتح الباب أمام صدامات أوسع تهدد استقرار الخليج والمنطقة.
دولية: محاولة لتدويل القضية وإجبار مجلس الأمن على مواجهة إسرائيل بوصفها دولة منتهكة لسيادة أعضاء آخرين في الأمم المتحدة.
قطر، حماس، وإسرائيل
لطالما شكّل وجود قيادات حركة "حماس" في الدوحة مثار جدل. فبينما تؤكد قطر أن استضافتها لهذه القيادات يندرج ضمن دورها كوسيط فاعل في ملفات التهدئة، ترى إسرائيل أن هذا الوجود يمنح الحركة منصة سياسية ويعزز نفوذها الخارجي. منذ سنوات، لعبت قطر دوراً محورياً في تسهيل إدخال المساعدات لغزة وتمويل مشاريع إنسانية، لكن الهجوم الأخير يشير إلى أن إسرائيل تسعى لملاحقة حماس خارج حدود الأراضي الفلسطينية، في محاولة لإحراج الدول التي توفر لها ملاذاً سياسياً.
العواصم الخليجية تنظر بقلق إلى استهداف قطر، خشية أن يكون ذلك بداية لسلسلة من الاعتداءات المماثلة قد تمتد إلى دول أخرى تستضيف قوى معارضة أو حركات فلسطينية. في المقابل، يواجه مجلس الأمن معضلة الانقسام بين أعضائه الكبار، وهو ما قد يعرقل صدور موقف موحد أو إجراء رادع. أما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن يقعا في معادلة صعبة بين الدفاع عن "أمن إسرائيل" التقليدي، وبين الحفاظ على علاقاتهم الاستراتيجية مع قطر باعتبارها حليفاً رئيسياً وشريكاً اقتصادياً وأمنياً.
الهجوم على الدوحة يعكس تحوّلاً خطيراً في قواعد اللعبة. فبعد أن كان الصراع محصوراً في جبهات معلومة، أصبح اليوم يهدد الاستقرار في قلب العواصم العربية. ومع تعاظم المخاوف من تصعيد إقليمي واسع، تبرز معضلة المجتمع الدولي: هل يستطيع مجلس الأمن اتخاذ خطوات عملية لردع إسرائيل، أم أن العجز الدولي سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحروب العابرة للحدود في الشرق الأوسط؟