أكد السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكابي، أن الجهود التي بذلتها واشنطن لإقناع إسرائيل بالإفراج عن أموال السلطة الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود، وذلك بسبب الزخم الدولي المتزايد نحو الاعتراف بدولة فلسطينية. وأوضح هاكابي أن الموقف الإسرائيلي أصبح أكثر تصلبًا، ما أدى إلى تجميد أي تفاهمات سابقة حول أموال الضرائب المحتجزة.
ضغوط اقتصادية تنذر بانفجار
أشار هاكابي إلى أنه حاول التوسط بين الجانبين خشية أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الخانقة في الضفة الغربية إلى اندلاع أعمال عنف جديدة. ورغم أنه لمس بوادر تقدم في المحادثات، إلا أن اعتراف دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وبلجيكا بالدولة الفلسطينية دفع إسرائيل للتشدد أكثر.
الموقف الأمريكي: انتقاد السلطة وتبرير لإسرائيل
اتهم هاكابي السلطة الفلسطينية بالمساهمة في الأزمة عبر تشجيعها مساعي الاعتراف الدولي، كما انتقد استمرار صرف مخصصات مالية لعائلات منفذي العمليات. لكنه في المقابل، أكد استمرار التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل. أما بخصوص توسع الاستيطان، فقد اكتفى بالقول إن "إسرائيل تفعل ما تراه ضروريا"، في إشارة إلى غياب أي ضغط أمريكي جاد على حكومة نتنياهو.
دعوات إسرائيلية نحو الضم
كشف هاكابي أن الزخم الدولي الداعم لفلسطين لم يجمّد فقط مفاوضات أموال السلطة، بل عزز أيضًا الأصوات اليمينية داخل إسرائيل المطالبة بفرض السيادة على الضفة الغربية. وأبرز هذه الأصوات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى ضم فعلي لمعظم أراضي الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة.
خيارات مفتوحة أمام لندن والغرب
بحسب هاكابي، فإن بريطانيا تركت الباب مفتوحًا للتراجع عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال وافقت إسرائيل على تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة والانخراط بعملية سلام طويلة الأمد. ورغم ذلك، فإن التحركات الأوروبية قوبلت بانتقاد أمريكي واضح، يعكس تباينًا داخل الغرب بشأن كيفية التعامل مع الصراع.
تكشف تصريحات هاكابي عن مشهد سياسي معقد: بينما يقترب المجتمع الدولي من خطوة تاريخية بالاعتراف بفلسطين، تتمسك واشنطن بموقف متذبذب، يجمع بين انتقاد السلطة الفلسطينية وتقديم غطاء غير مباشر للسياسات الإسرائيلية. وفي المقابل، تستغل الحكومة الإسرائيلية هذا المناخ لتعزيز خطاب الضم وتوسيع المستوطنات، ما ينذر بتصعيد إضافي يعمّق الأزمة القائمة بدل حلها.
أزمة أموال المقاصة
تعود أزمة أموال المقاصة إلى بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي نص على أن تجمع السلطات الإسرائيلية عائدات الضرائب والجمارك على البضائع المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية ثم تحولها شهريًا إلى خزينة السلطة.
لكن إسرائيل استخدمت هذه الأموال على مدار السنوات كورقة ضغط سياسية واقتصادية، حيث أوقفت التحويلات أكثر من مرة ردا على خطوات سياسية فلسطينية، مثل الانضمام إلى منظمات دولية، أو التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، أو دعم أسر الأسرى والشهداء. وقد أدى ذلك مرارًا إلى أزمات مالية خانقة للسلطة انعكست على رواتب الموظفين والاقتصاد الفلسطيني ككل.
مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية
بدأت السلطة الفلسطينية منذ التسعينيات حملة دبلوماسية للحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطينية مستقلة. ورغم أن إعلان الاستقلال الفلسطيني صدر عام 1988 من المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وحظي باعتراف أكثر من 100 دولة، إلا أن الأمم المتحدة لم تمنح فلسطين العضوية الكاملة.
وفي عام 2012، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لمنح فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو"، وهو ما اعتُبر خطوة كبيرة نحو الاعتراف. ومنذ ذلك الحين، كثفت القيادة الفلسطينية جهودها للحصول على اعترافات إضافية من الدول الأوروبية والغربية.
التحركات الحالية في سبتمبر 2025 تأتي في سياق هذا المسار الطويل، لكنها تحمل زخماً غير مسبوق، خاصة مع استعداد دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا للاعتراف رسمياً، وهو ما قد يُحدث تحولا جوهرياً في المشهد الدبلوماسي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.