تتزايد الضغوط السياسية والأمنية على حركة "حماس" في لبنان مع دخول عدة أطراف إقليمية ودولية على خط ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات. ففي الوقت الذي بادرت فيه حركة "فتح" إلى تسليم جزء من سلاحها، تجد "حماس" نفسها اليوم في مواجهة مباشرة مع الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، مدعومة بحملة سعودية متصاعدة تهدف إلى تحجيم نفوذ الحركة داخل الساحة اللبنانية.
مصادر سياسية مطلعة أكدت أن لقاء ممثل "حماس" في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي مع رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني رامز دمشقية في السراي الكبير لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل خطوة متقدمة على طريق محاولة إدماج الحركة في خطة "تسليم السلاح"، وهي الخطة التي لا تزال في مراحلها الأولى ومحصورة حتى الآن بحركة "فتح". غير أن الإشارات السياسية توحي بأن المرحلة المقبلة ستشهد تكثيف الضغوط على بقية الفصائل، وعلى رأسها "حماس".
السعودية على خط المواجهة
المفاجئ، وفق متابعين، أن المملكة العربية السعودية دخلت بقوة على خط الأزمة، إذ نقلت إلى المسؤولين اللبنانيين رسائل واضحة تدعو إلى التضييق على "حماس"، بما في ذلك طرح فكرة حظرها كلياً في لبنان. وتشير المصادر إلى أن الرياض ناقشت الملف مع أجهزة أمن لبنانية، في وقت نفذت استخبارات الجيش سلسلة توقيفات بحق عناصر من الحركة بزعم قيامهم بأنشطة عسكرية غير مشروعة.
وتؤكد "حماس" أن لا نشاطاً عسكرياً لها في لبنان، وأن مشاركتها في جولات المواجهة مع إسرائيل كانت ظرفية ومرتبطة بالحرب، مثلما فعلت باقي الفصائل، وأنها التزمت بوقف إطلاق النار فور إعلانه. إلا أن هذه التوضيحات لم توقف موجة التحريض، بل بدا أن المناخ المحيط برئيس الحكومة نواف سلام هو الأكثر تشدداً تجاه الحركة.
دور السلطة الفلسطينية
في موازاة ذلك، كشفت مصادر لبنانية أن ياسر عباس، نجل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تسلم ملف الساحة اللبنانية بشكل غير رسمي، خلفاً لعزام الأحمد الذي جرى تهميشه. وتضيف أن عباس الابن يتحرك بتنسيق وثيق مع السعودية، ويزور بيروت بانتظام، مركّزاً على تنفيذ خطة نزع السلاح ومحاصرة "حماس".
الأخطر في هذا السياق، ما قيل إنه تعهّد من السلطة الفلسطينية للجانب اللبناني باستخدام القوة ضد أي فصيل يرفض تسليم سلاحه، حتى لو اقتضى الأمر دخول الجيش إلى المخيمات. ورغم أن قيادة الجيش اللبناني، ومعها رئيس الجمهورية جوزيف عون، ترفض فكرة إقحام المؤسسة العسكرية في مواجهة المخيمات، فإن مجرد تداول هذا السيناريو يثير قلقاً واسعاً لدى اللاجئين الفلسطينيين.
مخيمات على فوهة بركان
يبقى المشهد داخل المخيمات الفلسطينية هشاً وقابلاً للانفجار في أي لحظة. فملف السلاح ليس مجرد قضية أمنية، بل يرتبط مباشرة بالهوية الوطنية الفلسطينية وبحق العودة. وترى "حماس" أن السلاح هو رمز للمقاومة، ولا يمكن التعامل معه كملف داخلي معزول عن الصراع مع إسرائيل. لكن في المقابل، تتصاعد الأصوات اللبنانية التي تدعو إلى ضبط الأمن ونزع السلاح خارج إطار الدولة.
المعادلة معقدة: الدولة اللبنانية تحاول فرض سيادتها ومنع استخدام المخيمات كمساحة أمنية خارجة عن السيطرة، السلطة الفلسطينية تسعى لتثبيت حضورها عبر التنسيق مع بيروت والرياض، فيما تجد "حماس" نفسها في مواجهة حصار متعدد الأوجه: سياسي، أمني، وحتى اجتماعي، عبر الحملات الإعلامية والتحريضية.
سيناريوهات مفتوحة
المراقبون يحذرون من أن أي مواجهة مباشرة بين "حماس" والسلطات اللبنانية قد تعيد المخيمات إلى مشهد الفوضى الذي عاشته في مراحل سابقة. وفي حال إصرار السلطة الفلسطينية والسعودية على استهداف الحركة، قد تتجه "حماس" إلى إعادة ترتيب أوراقها داخلياً، وربما توسيع تحالفاتها مع قوى لبنانية أو إقليمية لموازنة الضغوط.
في النهاية، يظهر أن ملف السلاح الفلسطيني في لبنان لم يعد شأناً داخلياً محضاً، بل بات ورقة إقليمية تتداخل فيها حسابات السعودية والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، مقابل تعقيدات المشهد اللبناني. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام خطوة تمهيدية لتصفية دور "حماس" في لبنان، أم أن الحركة قادرة على المناورة والصمود أمام هذه الضغوط المتشابكة؟