سجون "قسد".. اتهامات متصاعدة وانتهاكات موثقة

2025.09.10 - 09:59
Facebook Share
طباعة

 تشهد مناطق شمال وشرق سوريا الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية – قسد" موجة انتقادات واسعة، بعد توثيق حالات وفاة جديدة تحت التعذيب داخل مراكز احتجازها، في وقت تتزايد فيه التقارير الحقوقية التي ترصد نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات بحق المدنيين.


وبحسب مصادر محلية، توفي الشاب أحمد الساجر من قرية حويجة شنان شرقي الرقة، بعد أيام قليلة من اعتقاله على يد عناصر "قسد". وذكرت شبكات إخبارية، بينها "فرات بوست"، أن سبب الاعتقال يعود إلى العثور في هاتفه المحمول على العلم السوري ومقاطع مصوّرة مؤيدة للحكومة السورية. بعد ساعات من احتجازه، فارق الساجر الحياة تحت التعذيب، حيث سلّمت "قسد" جثمانه لذويه وعليه آثار واضحة للانتهاك الجسدي.


المأساة الإنسانية التي فجّرها خبر وفاته تزداد عمقاً بالنظر إلى أن الساجر كان المعيل الوحيد لوالدته وشقيقاته الثلاث بعد وفاة والده، ما يضع عائلته في مواجهة مستقبل مجهول، ويجعل قصته رمزاً لمعاناة مئات الأسر السورية التي فقدت أبناءها داخل السجون.


سلسلة وفيات تحت التعذيب
لم تكن حادثة الساجر الأولى من نوعها. ففي منتصف الشهر الماضي، توفي الشاب محمد جاسم الحميدي تحت التعذيب في سجون "قسد"، بعد ساعات فقط من اعتقاله في ريف الحسكة الشمالي. هذه الحوادث المتكررة تسلط الضوء على سياسة اعتقال تُتهم "قسد" باتباعها ضد المدنيين، سواء بسبب خلفيات سياسية أو نتيجة مواقف انتقادية لسلطتها المحلية.


التقارير الحقوقية، وعلى رأسها تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر مطلع آب/أغسطس 2025، تؤكد هذا المسار المقلق. فقد وثّق التقرير 36 حالة احتجاز تعسفي على يد "قسد" خلال شهر واحد فقط، بينهم 5 أطفال، إضافة إلى مقتل 5 مدنيين بينهم طفلان، ما يعكس اتساع نطاق الانتهاكات.


الرقة في الصدارة
وسجّل التقرير أن محافظة الرقة تصدرت قائمة الانتهاكات من حيث عدد حالات الاعتقال التعسفي، تلتها دير الزور ثم الحسكة. هذه الأرقام، وفقاً للمراقبين، تكشف هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، كما تعكس غياب آليات المساءلة والرقابة على ممارسات القوى العسكرية المسيطرة.


ولم تقتصر الاعتقالات على خلفيات سياسية، بل طالت مدنيين بغرض التجنيد الإجباري أو اقتيادهم إلى معسكرات تدريب، خاصة في محافظتي حلب ودير الزور. ويرى ناشطون أن مثل هذه السياسات تدفع السكان المحليين إلى مزيد من الاحتقان، وتعمّق الفجوة بين "قسد" والمجتمعات التي تحاول فرض سيطرتها عليها.


غياب المساءلة وتجاهل الردود
رغم خطورة الانتهاكات الموثقة، لم تصدر "قسد" حتى الآن توضيحات رسمية مقنعة بشأن حالات الوفاة تحت التعذيب أو الاعتقالات التعسفية، الأمر الذي يضعها أمام انتقادات متزايدة من منظمات محلية ودولية، ويطرح تساؤلات حول مدى التزامها بالمعايير الحقوقية.


المحلل السياسي عبد الرحمن الحاج يرى أن هذه الانتهاكات تعكس أزمة عميقة في بنية "قسد"، فهي من جهة تسعى لتقديم نفسها كقوة شريكة للتحالف الدولي في محاربة "داعش"، ومن جهة أخرى تتورط في ممارسات تعزز صورتها كسلطة أمر واقع تفتقر إلى الشرعية المجتمعية. ويشير إلى أن تجاهل هذه الانتهاكات يهدد بإضعاف الثقة المحلية، ويمنح خصومها السياسيين والدوليين أوراق ضغط إضافية.


أبعاد سياسية وإنسانية
تتقاطع هذه الأحداث مع لحظة حرجة تعيشها سوريا بعد إسقاط النظام السابق ودخول البلاد مرحلة انتقالية، حيث تتنافس القوى المحلية والإقليمية على تثبيت مواقعها. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن استمرار "قسد" في إدارة سجونها بهذه الطريقة قد يفتح الباب أمام تدخلات أوسع، خاصة أن قضايا حقوق الإنسان باتت ورقة حاسمة في أي نقاش دولي حول مستقبل سوريا.


أما على الصعيد الإنساني، فإن قصص الضحايا مثل أحمد الساجر ومحمد الحميدي تعكس الوجه القاسي للنزاع السوري، حيث يُختطف مستقبل الشباب على يد أجهزة عسكرية، وتتحول الأسر إلى ضحايا مزدوجين: فقدان المعيل وفقدان العدالة.


نحو محاسبة أم تجاهل مستمر؟
بينما يطالب ناشطون بفتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين عن التعذيب والقتل داخل سجون "قسد"، لا تزال فرص تحقق ذلك محدودة في ظل توازنات دولية معقدة، وتغاضي بعض الأطراف عن هذه الانتهاكات بحجة أولويات الأمن ومكافحة الإرهاب.


ومع غياب العدالة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستستمر هذه الانتهاكات بلا رادع، أم أن الضغوط الداخلية والدولية ستدفع باتجاه مساءلة حقيقية تضع حداً لمعاناة السوريين في المعتقلات؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4